للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النظر والاجتهاد؛ لأن غرضه ليس تخريج قول واحد يقلد فيه، كيف وأول حكم في «مختصَره» النهي عن التقليد، وإنما المقصود النظر في محتملات النصوص، ثم التوصل إلى ما يهدي إليه الدليل.

وهذه نكتة أطبق على الإذعان بها عامة من تكلم في اختلاف أقوال الشافعي -رضي الله عنه-، ثم سلكوا في تقسيم وجوهه مسالك مختلفة أورد هنا مختصَرها (١)، حتى أنتقل إلى ما هداني النظر والاستقراء في كتاب المُزَني.

[أبو العباس ابن القاص (ت ٣٣٥ هـ)]

فكان من أوائل من كتب دفاعًا عن الشافعي من أصحابه أبو العباس ابن القاص، ألف في ذلك كتابه الماتع «نصرة القولين للإمام الشافعي» (٢)، بدأه ببيان متشابه القرآن والسنة الذي يوهم ظاهره التعارض، ممهدًا بذلك لما ذهب إليه أن ما رمي به الشافعي من اختلاف القولين ليس به في حقيقة الأمر، ثم ختمه ببيان اختلاف أقوال أبي حنيفة وأصحابه، مستدلًّا بذلك على أنه ليس الوحيد الذي اختلفت أقواله، وفيما بين البدء والختام جعل معاني القولين ووجوههما على عشرة أقسام:


(١) يلاحظ أن الشيخ أبا زهرة نعى على الشافعية محاولتهم تخريج اختلاف أقوال الشافعي على الأوجه المعروفة عندهم، قال: «يظنون أن كثرة الآراء للشافعي لا تليق به، فيدفعونها عنها»، والظاهر أن الشيخ غلبت عليه ثقافة عصره حيث اعتبر سعة الخلاف بمثابة كثرة الحلول واتساع الخناق، لكن الشافعية إذ يوجهون هذا الاختلاف لا ينطلقون على أساس الرياضة النفسية والاحتمالات العقلية، وإنما هي صور من ترديد الأقوال توجد في واقع نصوص الشافعي، فلا وجه لكلام الشيخ أبي زهرة، وإن كنت معه في قوله: «إن كثرة آراء الشافعي أمر مُتَّفِقٌ مع منهجه في الاجتهاد ومُتَّفِقٌ مع حياته الفكرية». انظر كتاب «الشافعي .. حياته وعصره .. آراؤه وفقهه» (ط: دار الفكر العربي، ص: ١٨٢ - ١٨٤).
(٢) الكتاب طبع في دار البيروتي بتحقيق مازن سعد الزبيبي، وله طبعة أخرى في مشروع (أسفار) مع «حقيقة القولين» للغزالي لم أتمكن من مراجعتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>