للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(١٢٨)

[باب بيع البراءة]

(١١٠٦) قال الشافعي: وإذا باع الرجلُ شَيْئًا مِنْ الحيوان بالبَراءَةِ .. فالذي أذْهَبُ إليه قضاءُ عثمانَ بنِ عفّانَ، أنّه بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لم يَعْلَمْه، ولا يَبْرَأ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَه ولم يُسَمِّه له ويَقِفْه عليه، تَقْلِيدًا، وأنّ (١) الحيوانَ يُفارِقُ ما سِواهُ؛ لأنّه يَغْتَذِي بالصِّحَّةِ والسُّقْمِ (٢)، وتَحُولُ طَبائِعُه، وقَلَّما يَبْرَأ مِنْ عَيْبٍ يَخْفَى أو يَظْهَرُ (٣)، وأنَّ أصَحُّ في القِياسِ لولا ما وَصَفْنا مِنْ افْتِراقِ الحيوانِ وغيرِه أنْ لا يَبْرَأَ مِنْ عُيُوبٍ لم يَرَها ولو سَمّاها لاخْتِلافِها، أو يَبْرَأَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، والأوَّلُ أصَحُّ (٤).


(١) كذا في ظ ز س، وفي ب: «فإن».
(٢) يعني: يأكل في حالتي صحته وسقمه. «العزيز» (٦/ ١٨٣).
(٣) يريد: أن البائع من أجل ذلك يحتاج إلى شرط البراءة؛ ليثق بلزوم البيع. «العزيز» (٦/ ١٨٣).
(٤) قد اختلف أصحابُنا في هذه المسألة على طريقين: أصحهما - أن ما ذكرهُ الشافعيُ في أول الباب وآخرِه ترديد للأقوال، ففي المسألة ثلاثةُ أقوال: أحدها - أن البراءة باطلةٌ، والمشتري على خياره مهما اطلع، ولا فرقَ بين ما علمه البائعُ وكتمهُ، وبين ما لم يعلمه، والثاني - أن البراءةَ صحيحةٌ عن جميع العيوب من غير تفصيل، والأظهر - التفصيلُ، فلا يبرأ في غير الحيوان بحال، ويبرأ في الحيوان عما لا علمه، دون ما علمه، ومن أصحابنا من قالَ: مذهب الشافعي هو التفصيل الموافق لمذهبِ عثمانَ، وقد صَرَّح بذلك في صدر الباب، وما ذكرهُ في آخر الباب إشارةٌ إلى وجهِ القياس، وليس مذهبًا له، قال الرافعي: «إن نص «المختصر» أشد إشعارًا بهذا الطريق». انظر: «النهاية» (٥/ ٢٨١) و «العزيز» (٦/ ١٨١) و «الروضة» (٣/ ٤٧٢).
تنبيه: قول الشافعي: «تقليدًا» تعليل لذهابه إلى قضاء عثمان في هذه المسألة، وأشار في آخر كلامه إلى أن «القياس لولا ما وصفناه -يعني: قضاءَ عثمانَ كما قال إمام الحرمين والروياني، وإن كانت ظاهر عبارة «المختصر» تعارضه- أنه لا يبرأ عن العيب الذي لم يره المشتري، أو يبرأ عن الجميع»، فترك القياس للأثر، وهذا المشهور عنه في القديم، ومذهبه في الجديد تقديم القياس على الأثر، وهذا النص من الجديد، فيُشكِل، وأجاب الماوردي في «الحاوي» (٥/ ٢٧٣) وتبعه الروياني في «البحر» (٤/ ٥٦١) بأن قول عثمان في هذا الموضع حجة على مذهب الشافعي في القديم والجديد وإن لم يجز التقليد عنده، قال الماوردي: «أما على قوله في القديم .. فلأنه كان يرى قول الواحد من الصحابة إذا انتشر ولم يظهر خلافه حجة يقدم على القياس، لا سيما إذا كان إمامًا، وأما على قوله في الجديد .. فلأنه يرى أن قياس التقريب إذا انضم إلى قول صحابي كان أولى من قياس التحقيق، وقد انضم إلى قضاء عثمان قياس تقريب، فصار حجة يقدم على قياس التحقيق، وهو ما ذكره الشافعي: في أن الحيوان يفارق ما سواه».
فائدة: جاء في هامش س: «قال شيخ الإسلام البلقيني: مذهب الإمام الشافعي -رضي الله عنه-: أن مذهب الصحابي حجة، قال: ما لم يعارضه النص، فقال في بعض المسائل: «قلته تقليدًا لعثمان»، وقال في بعض المسائل: «قلته تقليدًا لزيد»؛ أي: في الفرائض، وأما إذا عارضه النص .. فلا يكون حجة.
مثاله: أبو هريرة -رضي الله عنه- روى حديث الغسل من ولوغ الكلب سبعًا إحداهن بالتراب، وكان مذهبه غسله ثلاثًا، فقال الإمام الشافعي -رضي الله عنه-: «العبرة بما روى، لا بما رأى»، وقال أيضًا فيه: «كيف أترك الحديث وآخذ بقول من لو عاصرته لحججته؟».
وقال -رضي الله عنه- فيما إذا لم يكن في المسألة نص، وإنما المستند فيها قول الصحابي أو فعله ما نصه: «ورأي الصحابة لنا خير من آرائنا لأنفسنا».
قال: قلت: كيف يجوز للصحابي أن يخالف النص باجتهاده ورأيه؟ فالجواب: أنه لم يفعل ذلك ابتكارًا من عنده؛ لأنه عدل، فلا يخرج عن عدالته بذلك؛ لأنه من الجائز أن يكون سمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يعتمده في ذلك». انتهى كلام البلقيني.