[السؤال الرابع والأخير: ما هو التعريف الصحيح للجديد والقديم على ضوء ما سبق ذكره؟]
فأقول: الذي يظهر من استعمال المُزَني لعبارة الجديد والقديم أو الحديث والقديم أنهما وصفان لكتب الشافعي، فالقديم: ما كتبه الشافعي قبل سفره إلى مصر، سواء رجع عنه في مصر أو سكت عنه، والجديد: ما كتبه في مصر، سواء كان كتابًا جديدًا مستقلًّا بذاته، أو إعادة تحرير وإملاء لما سبق تأليفه له في الحجاز والعراق يقرّ بعضه ويغيّر بعضًا، كما حصل ذلك في الرسالة القديمة والجديدة، ولا أرى وراء هذا حاجة إلى التنطع في تشقيق عبارات واستدراك صور افتراضية لا حقيقة لها في واقع فقه الشافعي، والله أعلم.
[موقف الأصحاب الشافعية من القديم]
سبق أن ذكرنا عن الشافعي بالإسناد الصحيح أنه قال:«لا أجعل في حِلٍّ مَنْ رَوَى عني الكتاب البغدادي»، وذكرنا تخصيصه بالقديم الذي رجع عنه في الجديد، بل إن إمام الحرمين زاد على ذلك وقال بأن الغالب على الأقوال القديمة أنها خارج محلّ الاجتهاد، وأن قضاء القاضي بها يجب أن ينقض، ومن أمثلته مسألة عدة زوجة المفقود، قال في القديم: تتربص بعد انقطاع الأخبار أربعَ سنين، ثم تعتد بعدها عدة الوفاة أربعةَ أشهر وعشرًا، ثم تنكِح إن شاءت، قال الشافعي:«قلدت فيه عمرَ بنَ الخطاب»، ثم إن الشافعي رجع عن هذا القول وقال في الجديد: تصبر حتى يأتيَها يقينُ طلاقه أو وفاتِه، وعَنَى باليقين أن يثبت سبب الفراق بطريق من الطرق الشرعية وبيِّنةٍ من البينات، ثم تتوقف إن استبهم الأمر ما عُمِّرت وبقيت، وغلَّط الشافعي مَنْ يعتقد بالقول القديم وصار إلى أنه لو قضى به قاضٍ نقضت