الحسن الشيباني نزولًا عند رغبة أصحاب الحديث، فكان في هذا الكتاب في موقف الذابِّ عن فقه أصحاب الحديث عامة وأهل الحجاز خاصة، وكان كذلك في موقف الرادِّ على محمد بن الحسن الشيباني رده على أهل المدينة.
ولا ينكر أن الشافعي في هذه الفترة كان له شخصيته المستقلة في الاجتهاد أصولًا وفروعًا، ومما يؤكِّد ذلك كتاب الرسالة القديمة التي هي أصل علم الأصول، وكذلك ما عُرف عن الشافعي من عدم إقراره بعمل أهل المدينة الذي تميَّز به الفقه المالكي، ومخالفته مالكًا في بعض الفروع الفقهية في الديات وغيرها، ولكن هذه الاستقلالية لم تكتمل عند الشافعي قبل سفره إلى مصر واحتكاكه بأصحاب مالك على نحو ما حدث قبل مع أصحاب أبي حنيفة.
ففي مصر ألَّف كتابه في اختلافه وشيخه مالك، وأملى الكثير على كتب مالك وابن القاسم وأشهب يردُّ عليهم بعض آرائهم، وفي مصر تعرَّف على فقه الليث بن سعد وخلافه مع مالك، فكان كل هذا له أثر نفسي كبير على استقلال شخصية الإمام الاجتهادية، ومن ثم زيادة تجرُّده في الاجتهاد والنظر في المسائل، ومما يؤكِّد هذه الفكرة اتفاق الكثير من آراء الشافعي القديمة مع مذهب مالك ومخالفته في الجديد، بل إن قضية الردِّ على مالك لا يكاد يظهر في المذهب القديم إلا عرضًا خلال مناقشة محمد بن الحسن.
السبب الثاني: سبب منهجي في الاستنباط، وهو أن الشافعي في القديم كان يقدم آثار الصحابة على القياس الجليّ، ورأيه الجديد تقديم القياس على أقوال الصحابة ما لم تكن إجماعًا، وهذا معنى منهجي أصولي يرجع إليه فروع كثيرة من مسائل القديم والجديد، قال إمام الحرمين في