إلا أن عندي وقفة مِنْ أخذ هذا الوجه على عمومه، فإن أصول الشريعة معنى عام لا اختصاص للشافعي بها، وفتح باب تصحيح المذهب بناءً على تلك الأصول العامة لا يمكن أن يكون صحيحًا ولا مقصودًا لإمام الحرمين أو غيره، وإنما يكون ذلك حيث يغلب على الظن بأن الشافعي عدل عن قوله القديم لضعف دليل بعينه ثم يبيِّن قوته على وَفْق أصوله المعروفة، وأخصّ ذلك أن يعدل عن القديم لعدم ثبوت حديث يؤيده عنده، ثم يثبت الحديث من غير إسناده، وقد نصَّ النووي في «المجموع»(١/ ١١٠) على هذه الصورة فقال: «القديم الذي عضده نصّ حديث صحيح لا معارض له مذهب الشافعي رحمه الله، ومنسوب إليه، إذا وجد الشرط الذي قدمناه فيما إذا صحَّ الحديث على خلاف نصه، والله أعلم».
[اصطلاح آخر في القديم والجديد]
ليس القول الأول والثاني للشافعي مقتصرًا على أقواله في مصر وقبله، بل قد يوجد للشافعي في الجديد قولان أول قديم، وثانٍ جديد (١)، ويكون ذلك لأجل دليل ناقل اطلع عليه لم يعلمه أولًا.
ومن أمثلته أن المُزَني (ف: ٧٨٥) نقل عنه في صوم المتمتع الذي لا يجد الهدي في أيام التشريق أنه لا يجزئه عند الشافعي، ثم قال المُزَني:«قد كان قال: يُجْزِئه، ثُمَّ رَجَعَ عنه»، وحمل القولان في كتب الأصحاب على القديم والجديد، بل إن النووي قال في زوائد «الروضة»(٢/ ٣٦٦): «هذا القديم هو الراجح دليلًا، وإن كان مرجوحًا عند الأصحاب».
(١) انظر القسم الخامس في «القواطع» للسمعاني (٥/ ٦٩).