ويلاحظ أن المُزَني على غير عادته لم ينسب القول الأول إلى القديم كما فعل الأصحاب، ذلك أن مصدره عنده هو حكاية الشافعي له في الجديد، كما ذكر ذلك بعدُ (ف: ٨٣١) على لسان الشافعي قال: «قدْ كُنْتُ أراهُ، وقد يَكُون مَنْ قال: «يَصُومُ أيَّامَ مِنًى» ذَهَبَ عنه نَهْيُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عنها»، وهذا نصٌّ محتمل لا يلزم أنه كان يراه قبل مصر أو بعده، وربما كان ذلك قبل القديم والجديد معًا، والشاهد توسع الأصحاب في إطلاق القديم على القول الأول دون تقيُّد بالكتاب القديم.
ومن أمثلته كذلك نقل النووي في أصل «الروضة»(١/ ٢٩) قولًا عن القديم بأن الأرض النجسة تطهر بالشمس، فتعقَّبه الإسنوي وقال في «المهمات»(٢/ ٨٢): «رأيت في (التقريب) للإمام القاسم ابن القفال الكبير الشاشي أن الشافعي نصَّ في (الإملاء) على أن الأرض تطهر بالشمس»، قال: «وحينئذ فيكون التطهير بها قولًا واحدًا جديدًا، لا قديمًا؛ لأن (الإملاء) من الكتب الجديدة كما قاله الرافعي في مواضع كثيرة، وأن الجديد إذا أطلقوه في مقابلته أرادوا به (الأم)».
قلت: لا وجه لهذا الإطلاق والتخصيص إلا اعتبار الأولية، والله أعلم.