للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(٣٢٤)

باب حكم المرتد (١)

(٣٢٠١) قال الشافعي: مَنْ ارْتَدَّ عن الإسْلامِ إلى أيِّ كُفْرٍ (٢)، كان مَوْلُودًا على الإسْلامِ أو أسْلَمَ ثُمّ ارْتَدَّ .. قُتِلَ، وأيُّ كُفْرٍ ارْتَدَّ إليه ممّا يُظْهِرُ أو يُسِرُّ مِنْ الزَّنْدَقَةِ ثُمّ تاب لم يُقْتَلْ، فإن لم يَتُبْ قُتِلَ، امْرَأةً كانَتْ أو رَجُلًا، عَبْدًا كان أو حُرًّا (٣).


(١) «المرتد» من قولك: «رددت الشيء أرده»، كأنه رده إلى كفره فارتد؛ أي: فرجع ورد نفسه. «الحلية» (ص: ١٩٨).
(٢) كذا في ز ب س، وفي ظ: «إلى أن كفر».
(٣) ينبغي تفسير مصطلحي «الكفر» و «الزندقة» وبيان الفرق بينهما.
فأما الكفر .. فأصله مأخوذ من «كَفَرتُ الشيءَ»: إذا غطيته، ومنه قيل لليل: «كافر»؛ لأنه يستر الأشياء بظلمته، وقيل للذي لبس درعًا ولبس فوقها ثوبًا: «كافر»؛ لأنه غطى درعه بالذي لبسه فوقها، و «فلان كفر نعمة الله»: إذا سترها فلم يشكرها. وقد يكون الكفر بمعنى: البراءة؛ كقول الله عز وجل حكاية عن الشيطان: {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} [إبراهيم: ٢٢]؛ أي: تبرأت.
وقال بعض أهل العلم: الكفر على أربعة أوجه: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق، وهذه الوجوه الأربعة مَنْ لقي الله بواحد منها لم يُغفَر له.
فأما كفر الإنكار .. فهو أن ينكر بقلبه ولسانه، ولا يعرفَ ما يُذكَر له من التوحيد؛ كما قال الله عز وجل: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} [البقرة: ٦]؛ أي: كفروا بتوحيد الله وأنكروا معرفته.
وأما كفر الجحود .. فإنه يَعرف بقلبه ولا يُقِر بلسانه، فهذا كفر جاحد؛ ككفر إبليس، وما روي عن أمية بن أبي الصلت وبلعام بن باعورا.
وأما كفر المعاندة .. فهو أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه ويأبى أن يقبل الإيمان؛ ككفر أبي طالب، فإنه قيل فيه: «آمن شعره وكفر قلبه»؛ أي: كفر هو، مثل قوله:
ولقد علمت بأن دين محمد … من خير أديان البرية دينَا
لولا الملامة أو حذار مَسَبّة … لوجدتني سمحًا بذاك مبينَا
وأما كفر النفاق .. فأن يقر بلسانه ويكفر بقلبه؛ ككفر المنافقين.
قال أبو منصور الأزهري: «وأما الكفر الذي هو دون ما فسرنا .. فالرجل يقر بالتوحيد والنبوة ويعقتدهما وهو مع ذلك يعمل أعمالًا بغير ما أنزل الله من السعي في الأرض بالفساد، وقتل النفس المحرمة، وركوب الفواحش، ومنازعة الأمر أهله، وشق عصا المسلمين، والقول في القرآن وصفات الله تعالى بخلاف ما عليه أئمة المسلمين وأعلام الهدى والراسخون في العلم بالتأويلات المستكرهة، واعتماد المراء والجدل، وأَقصُرُ قولي فيهم على هذا المقدار وأكل أمرهم إلى الله عز وجل».
وأما الذي يقول الناس: «زنديق» .. فقال أحمد بن يحيى: «ليس في كلام العرب (زنديق)، وإنما تقول العرب: (رجل زَنْدَقٌ وزَنْدَقِيٌّ): إذا كان شديد البخل، فإذا أرادت العرب معنى ما تقول العامة قالوا: (مُلْحِدٌ ودَهْرِيٌّ)»، قال أبو منصور: «الإلحاد: الميل عن طريق الإسلام، قال الله عز وجل: {الذين يلحدون في آياتنا} [الأعراف: ١٨٠]؛ أي: يجورون ويعدلون»، قال: «يقال: (لحد الرجل وألحد): إذا حاد عن عن القصد»، قال: «وملحدوا زماننا هذا هؤلاء الذين تلقبوا بالباطنية، وادعوا أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، وأن علم الباطن فيه معهم، فأحالوا شرائع الإسلام بما تأولوا فيها من الباطن الذي يخالف ظاهر العربية التي بها نزل القرآن، وكل باطن يدعيه مدعٍ في كتاب الله عز وجل يخالف ظاهر كلام العرب الذي خوطبوا به فهو باطل؛ لأنه إذا جاز لهم أن يدعوا فيه باطنًا خلاف الظاهر جاز لغيرهم ذلك، وهو إبطال للأصل، وإنما زاغوا عن إنكار القرآن ولاذوا بالباطن الذي تأولوه؛ ليَغُرُّوا به الغِرَّ الجاهل، ولئلا يُنسَبوا إلى التعطيل والزندقة».
انظر: «الزاهر» (ص: ٤٩٥) و «تهذيب اللغة» (مادة: زندق).