للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القيمة الثانية: حمل مجمل النصوص على موافقة مُفَصَّلها.

وبنى الشافعي على هذه القيمة أن بعض النصوص مبيِّنة ومفسِّرة للنصوص الأخرى، وليست متعارِضة، كما قال في كلامه على حديث: «إنما الربا في النسيئة» مع حديث ربا الفضل (ف: ١٠١١).

فلا تعارُض بين القرآن والسنة، وقد حكى الشافعي (ف: ٣٧٨٢) قول من قال: «إذا نصب اللهُ حُكْمًا في كتابه فلا يَجُوز أن يَكُونَ سَكَتَ عنه وقد بَقِيَ منه شيءٌ، فلا يَجُوزُ لأحَدٍ أن يُحْدِثَ فيه ما ليْسَ في القرآنِ»، ثم رَدَّ عليه فقال: «قد نَصَبَ اللهُ الوُضُوءَ في كتابه فأحْدَثْتَ فيه المسْحَ على الخفَّيْن، ونَصَبَ ما حُرِّمَ مِنْ النِّساءِ وأحَلَّ ما وَراءَهُنَّ فقُلْتَ: لا تُنْكَحُ المرْأةُ على عَمَّتِها ولا على خالَتِها، ونَصَبَ الموارِيثَ فقُلْتَ: لا يَرِثُ قاتِلٌ ولا مملُوكٌ ولا كافِرٌ وإن كانُوا وَلَدًا أو والِدًا، ونَصَبَ حَجْبَ الأمِّ بالإخْوَةِ وحَجَبْتَها بأخَوَيْن، ونَصَبَ للمُطَلَّقَةِ قبل أن تُمَسَّ نِصْفَ المهْرِ ورَفَعَ العِدَّةَ فقُلْتَ: إنْ خَلا بها ولم يَمَسَّ فلها المهْرُ وعليها العِدَّةُ، فهذه أحْكامٌ مَنْصُوصَةٌ في القُرآنِ، وهذا عِنْدك خِلافُ ظاهِرِ القُرآنِ»، قال الشافعي: «والقُرآنُ عَرَبِيٌّ، فيكُونُ عامَّ الظَّاهِرِ يُرادُ به الخاصُّ، وكُلُّ كَلامٍ احْتَمَلَ في القُرآنِ مَعانِيَ فسُنَّةُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- تَدُلُّ على أحَدِ مَعانِيه مُوافِقَةٌ له، لا مُخالِفَةٌ للقُرآنِ».

ولا ينسخ القرآن بالسنة ولا السنة بالقرآن، هكذا اشتهر النقل عن الشافعي، لكنه قال في عقد الصلح (ف: ٣٤١١): «وإنْ صالَحَهُم الإمامُ على ما لا يَجُوزُ .. فالطَّاعَةُ نَقْضُه، كما صَنَعَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في النِّساءِ، وقد أعْطَى المشْرِكِين ما أعْطاهُم في الرِّجالِ ولم يَسْتَثْنِ، فجاءتْه أمُّ كُلْثُومٍ بنتُ عُقْبَةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهاجِرَةً، فجاء أخَواها يَطْلُبانها، فمَنَعَهما منها،

<<  <  ج: ص:  >  >>