قال الماوردي في «الحاوي» (٨/ ٦٨): «حقيق بمن علم أن الدنيا منقرضة، وأن الرزايا قبل الغايات معترضة، وأن المال متروك لوارث، أو مصاب بحادث .. أن يكون زهده فيه أقوى من رغبته، وتركه له أكثر من طَلِبته، فإن النجاة منها فوز، والاسترسال فيها عجز، أعاننا الله على العمل بما نقول، ووفقنا لحسن القبول إن شاء الله». (٢) كذا في ظ، وفي ز س: «مما سمعتها». (٣) الأصل في المواريث قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} الآية والتي تليها [النساء: ١١ - ١٢]، وآية الكلالة في آخر السورة، ولم تشتمل الآيات الثلاث على جميع قواعد الفرائض، لكن وردت السنة بأصول أخرى، وتكلم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما لم يجدوه منصوصًا عليه، وكثر اختلافهم فيه؛ لأن مسائل الفرائض غير مبنية على أصول معقولة، فتعلقوا بالأشباه والأمثال. قال العلماء بالفرائض: تحزّب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثةَ أحزاب، فتكلم أربعةٌ منهم في جميع الفرائض: علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس، وتكلم قومٌ في معظم أصول الفرائض، مثل: أبي بكر وعمر ومعاذ، وتكلّم بعضُهم في مسائلَ نادرةٍ كعثمان وغيره، رضي الله عنهم أجمعين. قال إمام الحرمين: «ثم من بدائع حكم الله تعالى، أن الأربعة الذين تكلموا في الجميع لم يُجمِعوا في مسألة إلا أجمعت الأمة على مذهبهم، ولم يتفق في مسألةٍ مصيرُ اثنين منهم إلى مذهب وذهاب اثنين إلى مذهب الآخر، ولكن إذا اختلفوا وقفوا آحادًا، وصار ثلاثةٌ إلى مذهب، وواحد إلى مذهب واحد». قال: «ثم نظر الشافعي إلى مواقع الخلاف، ولم يجد مضطربًا في المعنى، فاختار أن يتبع زيد بن ثابت، وتردد قول الشافعي حيث ترددت الروايات عن زيد». قال: «ولم يضع لأجل هذا كتابًا في الفرائض؛ لعلمه بعلم الناس بمذهب زيد، وإنما نصّ على مسائلَ متفرقة في الكتب، فجمعها المزني، وضم إليها مذهب زيد في المسائل، ولم يقل: (تحرَّيْتُ فيها مذهب الشافعي) كقوله في أواخر الكتب التي مضت؛ فإن التحرّي اجتهاد، ولا اجتهاد في النقل، وقد تحقق عنده اتباع الشافعي زيدًا». قال الأصحاب: ولم يقلد زيدًا، وإنما ترجح مذهبه عنده من وجهين: أحدهما: ما رواه الأثبات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أفرضكم زيد». والثاني: قال القفال: ما تكلم أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- في الفرائض، إلا وقد وُجِد له قول في بعض المسائل هجره الناس بالاتفاق، إلا زيد، فإنه لم يقل بقول مهجور بالاتفاق، وذلك يقتضي الترجيح كالعمومين إذا وردا وقد خُص أحدهما بالاتفاق دون الثاني، كان الثاني أولى. قال الرافعي: «وقد يُعترَض فيقال: للكلام مجال في أن الوجهين هل يوجِبان الرجحان؟ ولكن بتقدير التسليم، فالأخذ بما رجح عنده إن لم يكن بناء على الدليل في كل مسألة لم يخرج عن كونه تقليدًا؛ كالمقلد يأخذ بقول من رجح عنده من المجتهدين، وإن كان بناء على الدليل فهو اجتهاد وافق اجتهادًا، فلا معنى للقول بأنه اختار مذهب زيد -رضي الله عنه-. ويجاب عنه بأن الشافعي -رضي الله عنه- لم يُخْلِ مسألةً عن احتجاج واستشهاد، لكنه استأنس بما رجح عنده من مذهب زيد، وربما ترك به القياس الجلي وعضَدَ الخفي؛ كقول الواحد من الصحابة إذا انتشر ولم يُعرَف له مخالف، فباعتبار الاستئناس قيل: إنه أخذ بمذهب زيد، وباعتبار الاحتجاج قيل: إنه لم يقلد، والله أعلم». انظر: «النهاية» (٩/ ٩) و «العزيز» (١١/ ١٥).