الدليل، فإذا أمر الله - عز وجل - أو رسوله صلى الله عليه بأمر وسمَّاه .. فما لزمه اسمُه لزمه حكمُه على العمومِ والحتْمِ؛ لأن الله - تبارك وتعالى - أو رسوله صلى الله عليه لو لم يُرِد العمومَ وأراد غيرَه لأبانه، فلما لم يُبِنْه علِمْنا أنه لم يُرِد ما لم يُبَيِّن، كما لم يَأمُر إلا بما بَيَّن؛ لأنه لا يُكَلِّف عِلمَ الغيوب، قال الله - عز وجل-: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل: ٦٥]، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم: ٤]، وقال:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}[التوبة: ١١٥]، وقال:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء: ٣٦]، فمَن ادَّعَى فيما أطلَقه القرآنُ أو السنةُ بَيِّنٌ معناه في اللغةِ أنَّه أرِيد معنًى دون معنًى .. قيل له: قولك «إنه أريد به» غيْبٌ، والغيبُ لا يوصَل إليه إلَّا بخبرٍ، والمدعي لذلك بغير حق منفرد، ولا يُقبَل مِنْ مدعٍ إلا ببينة، ولا تُزال حجة بغير حجة».
[القيمة الرابعة: تعليل النصوص والقياس عليها.]
فـ «القياس عنده حق» كما قال المُزَني (ف: ٩٨٣)، وقد ذكر من مراتب القياس القياس الذي لا يُعذر أحد عنده بالغفلة عنه (ف: ٣٨٦٩)، وذلك دليل على عظيم منزلة القياس عند الشافعي، وقد بيّن في «المختصَر» بعض أنواعه وضوابطه.
فأمَّا أنواع القياس فقال الشافعي (ف: ٣٧٠١): «القِياسُ قياسان: أحَدُهما - أن يَكُونَ في مَعْنَى الأصْلِ، فَذَلِكَ الَّذِي لا يَحِلُّ لأحَدٍ خِلافُه، والآخَرُ - أن يُشْبِهَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ مِنْ أصْلٍ، ويُشْبِهَ الشَّيْءَ مِنْ أصْلٍ غَيْرِه، فيُشَبِّهُه هذا بهذا الأصْلِ، ويُشَبِّهُه الآخَرُ بأصْلٍ غَيْرِه، ومَوْضِعُ الصَّوابِ في