للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك؛ لأنه لو كان مقيمًا على القولين لأعادهما، فلما أفرد أحدهما بالإعادة دَلَّ أنه هو الذي يذهب إليه ويختاره.

وحينئذ لا يخفى دقة المُزَني وقوة حجته في الترجيح، ولا يبعد أن يكون الصواب معه، والله أعلم.

الوسيلة الثانية لمعرفة الراجح من القولين عند الشافعي: تفريعه على أحد القولين دون الآخر هل يدل على أنه المختار عنده؟ جعله الماوردي والشيرازي والسمعاني مثل ترديده بين القولين في موضع وقطعه بأحدهما في آخر (١)، وقد يقال بأن التفريع أضعف دلالة على الترجيح من الجزم بأحد القولين؛ لأنه يرد فيه التنزل والتسليم.

ومن أمثلته الطريفة: مسألة ضمان الأجراء، ذكر الشافعي فيه قولين ولم يرجح بينهما، لكنه أورد عقبها مسائل جزئية فرعها على القول بالضمان، فاستنبط المُزَني منه أن الضمان هو مذهبه الذي يقول به، فتعقبه الماوردي وقال: «ليس تفريع الشافعي على أحد القولين إبطالًا للقول الآخر فيصح احتجاج المُزَني، وإنما يدل على أنه أرجح القولين في نفسه، وهذا صحيح من مذهبه، بل قد قال الشافعي: لولا خوفي من خيانة الأجراء لقطعت القول بسقوط الضمان عنهم» (٢)، وهذا النصُّ من الماوردي إقرار منه بتسليم دلالة التفريع على الترجيح، وإنما أنكر على المُزَني إبطاله القول الآخر لا ترجيحه، ويشكل على الماوردي إنكاره مع هذا على المُزَني استدلاله بموضع الجزم على موضع الترديد في وسيلة الترجيح السابقة.


(١) انظر «الحاوي» (١٨/ ٢١٠)، و «شرح اللمع» (٢/ ١٠٨٢)، و «القواطع» (٥/ ٨٠).
(٢) انظر «الحاوي» للماوردي (٧/ ٤٢٩)، وانظر «المختصر» (الفقرات: ١٦٧٣ - ١٦٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>