للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن كثير من الأصحاب قولهم بالسنة الصحيحة المخالفة لقول الشافعي ثم نسبة ذلك القول له بناءً على هذا التعليق، وفعل الماوردي ذلك في الصلاة الوسطى، فإن الشافعي نصَّ على أنها الصبح عملًا بظاهر قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} [البقرة: ٢٣٨]، ولا قنوت إلا في الصبح على تفسير القنوت بالدعاء، فلما بلغنا أن ابن مسعود -رضي الله عنه- روى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر» .. انتقلنا عما قاله الشافعي من العمل بظاهر الكتاب إلى هذه السنة، إلا أن الأصحاب لا يكادون يتفقون على نسبة مثل هذا إلى الإمام، وذلك لما للنظر في الأحاديث من سعة أبواب الاجتهاد.

الصورة الثالثة: أن يذكر القولين، معتقدًا لأحدهما، وزاجرًا بالآخر (١).

فعل ذلك في قضاء القاضي بعلمه، وفي تضمين الأجير المشترك، فإن مذهبه أن للقاضي أن يحكم بعلمه وأن لا ضمان على الأجير، لكن ذكر الآخر زاجرًا ومرهبًا، وقد قال الشافعي رحمة الله عليه بعد ذكر القولين فيهما: «ولولا خوفي ميل القضاة وخيانة الأجراء لجعلت .. للقاضي أن يحكم بعلمه، ولأسقطت الضمان عن الأجير»، فعلل منع القاضي بميله، وضمان الأجير بخيانته، فدلَّ أن مذهبه فيمن لم يمل من القضاة جواز حكمه بعلمه، وفيمن لم يخن من الأجراء سقوط الضمان عنه، وإذا صحَّ هذا فيمن أمن ميله وخيانته ثبت حكمه فيمن خيف ميله وخيانته لعموم الحكم في الجميع، و «من كان زعيمًا في الدين فحقيق أن يكون زاجرًا ومحذِّرًا» (٢).


(١) انظر القسم السابع في «نصرة القولين» لابن القاص (ص: ١٢٠)، والقسم الثالث عشر في «القواطع» للسمعاني (٥/ ٧٨).
(٢) و «القواطع» للسمعاني (٥/ ٧٨)، و «فرائد الفوائد» للمناوي (ص: ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>