للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحرمين: «كل حكم اعتمد الشافعي فيه الخبر وقد بلغه الحديث لا على وجهه أو لم يبلغه التمام .. فنحن نعلم قطعًا أنه لو بلغه الحديث على خلاف ما اعتقده وصحّ على شرطه لكان يرجع إلى موافقة الحديث، فكأنه في الجديد قال: مذهبي في التثويب ما صحَّ من قصَّة أبي محذورة» (١).

ومن الثاني (٢): أن يثبت عنده الخبر على خلاف القياس، فيقضي بالخبر ويعلق القول بمقتضى القياس ويقول: «لولا الخبر كان القياس … » (٣)، وقال الشافعي: «وأحِبُّ للنائم قاعدًا أن يَتوضَّأ، ولا يَبِينُ لي أنْ أوجِبَهُ عليه؛ لما رَوَى أنس بن مالك أنَّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا ينتظرون العِشاء فينامون - أحسبه قال: قُعودًا -»، قال المُزَني (ف: ٤٣): «وقد قال الشافعي: لو صِرْنا إلى النَّظر .. كان إذا غَلَبَ عليه النومُ تَوضَّأ بأيِّ حالاته كان. وعن ابن عمر: كان يَنام قاعدًا ويُصَلِّي ولا يَتَوَضَّأ».

وهذا في الحقيقة ليس من باب الترديد؛ لأن قول الشافعي في تعارض الخبر والقياس واحد، وهو القول بالخبر وترك القياس.

وهناك وجه ثالث من التعليق: وهو التعليق العام، وذلك أن الشافعي أصَّل أصول فقهه وقواعده، ورتَّب أدلة مذهبه ودلالاتها، فحيث خالفها في فرع من الفروع ولم يطلع على سبب موجب للمخالفة حسب أصوله .. كان اعتبار الأصل أولى من مراعاة الفرع الواحد المخالف له، ومن ذلك: أن الشافعي قال: «كل قول قلته فثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خلافه فأنا أول راجع عما قلته، وقائل بموجب الحديث»، فبلوغ السنة لنا بعده كبلوغها له، وقد نُقل


(١) انظر «النهاية» (٢/ ٥٩).
(٢) وهو القسم الرابع في «نصرة القولين» لابن القاص (ص: ١١٤).
(٣) انظر «المختصَر» (الفقرات: ١٠٠٩، و ١٦٢٦، و ١٨٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>