[باب إظهار دين النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأديان]
من كتاب الجزية
(٣٣٧٧) قال الشافعي: قال الله تبارك وتعالى: {ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}[التوبة: ٣٣]، ورَوَى مُسْنَدًا أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال:«إذا هَلَكَ كِسْرَى فلا كِسْرَى بَعْدَه، وإذا هَلَكَ قَيْصَرُ فلا قَيْصَرَ بَعْدَه، والذي نَفْسِي بيَدِه لتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهما في سَبِيلِ الله»، قال: ولمّا أتَى كتابُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلى كِسْرَى مَزَّقَه، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «يُمَزَّقُ مُلْكُه»، قال الشافعي: وحَفِظْنا أنّ قَيْصَرَ أكْرَمَ كِتابَه ووَضَعَه في مِسْكٍ فقال النبيُّ -عليه السلام-: «ثَبَتَ مُلْكُه»، قال: ووَعَدَ رسولُ الله النّاسَ فَتْحَ فارِسَ والشَّامِ، فأغْزَى أبو بَكْرٍ الشّامَ على ثِقَةٍ مِنْ فَتْحِها لقَوْلِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ففَتَحَ بَعْضَها، فتَمَّ فَتْحُها في زَمَنِ عُمَرَ، وفَتَحَ عُمَرُ العِراقَ وفارِسَ، قال الشافعي: فقد أظْهَرَ اللهُ دِينَ رَسُولِه على الأدْيانِ بأنْ أبانَ لكُلِّ مَنْ سَمِعَه أنّه الحقُّ، وما خالَفَه مِنْ الأدْيانِ باطِلٌ، وأظْهَرَه بأنّ جِماعَ الشِّرْكِ دِينان: دِينُ أهْلِ الكِتابِ، ودِينُ أمِّيِّينَ، فقَهَرَ رسولُ الله الأمِّيِّينَ حتّى دانُوا بالإسلامِ طَوْعًا وكَرْهًا، وقَتَلَ مِنْ أهْلِ الكِتابِ وسَبَى حتّى دان بَعْضُهم بالإسلامِ، وأعْطَى بعضٌ الجزيةَ صاغِرِين، وجَرَى عليهم حُكْمُه -صلى الله عليه وسلم-، قال: فهذا ظُهُورُه على الدِّينِ كُلِّه، قال: ويُقالُ: ويَظْهَرُ دِينُه على الأدْيانِ حتّى لا يُدانُ اللهُ إلّا به، وذلك متى شاء الله عز وجل، قال الشافعي: وكانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتابُ الشّامَ انْتِيابًا كَثِيرًا، وكان