قال: وإنّما قلتُ بخِلافِ هذا القولِ؛ لأنّ اللهَ عز وجل جَعَلَ المالَ قِسمَيْن: أحدُهما: في قَسْمِ الصدقاتِ التي هي طُهُورٌ، فسَمّاها لثمانيةِ أصنافٍ ووَكَّدَها، وجاءَتْ سُنّةُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بأن تُؤخَذَ مِنْ أغنياءِ قومٍ وتُرَدَّ على فُقَرائِهم، لا فقراءِ غيرِهم، ولغيرِهم فقراءُ، فلم يَجُزْ عندي والله أعلم أن يكونَ فيها غيرُ ما قُلْتُ، مِنْ أن لا تُنْقَلَ عن قومٍ وفيهم مَنْ يَسْتَحِقُّها، ولا يُخْرَجَ سَهْمُ ذِي سَهْمٍ منهم إلى غيرِه وهو يَسْتَحِقُّه، وكيف يجوزُ أن يُسَمِّيَ اللهُ أصْنافًا فيَكُونُوا مَوْجُودِين معًا فيُعْطَى أحدُهم سَهْمَه وسَهْمَ غيرِه، لو جازَ هذا عندي لجازَ أن يُجْعَلَ في سَهْمٍ واحدٍ جميعُ سِهامِ سبعةٍ ما فُرِضَ لهم، ويُعْطَى واحدٌ ما لم يُفْرَضْ له.
والذي يخالِفُنا يَقولُ: لو أوْصَى بثُلُثِه لفقراءِ بني فُلانٍ، وغارمي بني فلانٍ، رجلٍ آخَرَ، وبني سبيلِ بني فلانٍ، رجلٍ آخَرَ، إنّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ هؤلاء يُعْطَوْن مِنْ ثُلُثِه، وأن ليس لوَصِيٍّ ولا والٍ أن يُعْطِيَ الثُّلُثَ صِنْفًا دون صنفٍ، وإن كانوا فقراءَ وأحْوَجَ مِنْ صنفٍ؛ لأنّ كُلًّا ذو حَقٍّ ممّا سُمِّيَ له، قال: فإذا كان هذا عندنا وعند قائلِ هذا القولِ فيما أعْطَى الآدَمِيُّون أن لا يجوزَ أن يَمْضيَ إلّا على ما أعْطَوْا .. فعطاءُ اللهِ أحَقُّ أن لا يجوزَ أن يَمْضيَ إلّا على ما أعْطَى.
قال: وإذا قَسَمَ اللهُ جل ثناؤه الفَيْءَ، وسَنَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أربعةَ أخْماسِه لمَنْ أوْجَفَ على الغنيمةِ، للفارسِ ثلاثةُ أسْهُمٍ، وللراجلِ سَهْمٌ، فلم نَعْلَمْ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَضَّلَ ذا غَنَاءٍ على مَنْ دونه، ولم يُفَضِّل المسلمون الفارسَ أعْظَمَ الناسِ غَناءً على جَبانٍ في القَسْمِ، فكيف جاز أن يخالِفَنا في قَسْمِ الصدقاتِ - وقد قَسَمَها اللهُ أبْيَنَ القَسْمِ - فيُعْطِيَ بَعْضًا دون بعضٍ، ويَنْقُلَها مِنْ أهْلِها المحتاجِين إليها إلى غيرِهم؛ لأنْ كانُوا أحْوَجَ منهم، أو يُشْرِكَهُم معهم، أو يَنْقُلَها عن صِنْفٍ منهم إلى صنفٍ غيرِه؟ أرأيْتَ لو قال