أخْذِه، وحَقَّ اللهِ في قَسْمِه لمَنْ جَعَلَه له، ولو جازَ ذلك جازَ في جميعِ ما أوْجَبَه اللهُ لمَنْ جَعَلَه له.
قال: فإنّا رُوِّينا عن الشَّعْبِي؛ أنّ رَجُلًا وَجَدَ أربعةَ آلافِ أو خمسةَ آلافِ درهمٍ، فقال عليٌّ:«لأقْضِيَنَّ فيها قضاءً بَيِّنًا، أمّا أربعةُ أخماسٍ فلَكَ، وخمسٌ للمسلمِين»، ثُمّ قال:«والخمُسُ مَرْدُودٌ عليك».
قال الشافعي: وهذا الحديثُ بعضُه يَنْقُضُ بعضًا؛ إذْ زَعَمَ أنّ عليًّا قال:«والخمُسُ للمسلمين»، فكيف يجوزُ أن يَرَى للمسلمين في مالِ رجلٍ شيئًا ثُمّ يَرُدَّه عليه أو يَدَعَه له؟ وهذا عن عليٍّ مُسْتَنْكَرٌ، وقد رَوَوْا عن عليٍّ بإسنادٍ موصولٍ أنّه قال:«أربعةُ أخماسٍ لك، واقْسِم الخمسَ في فقراءِ أهْلِكَ»، وهذا الحديثُ أشْبَهُ بحديثِ عليٍّ، لعلَّ عليًّا عَلِمَه أمِينًا، وعَلِمَ أنّ في أهلِه فقراءَ مِنْ أهلِ السُّهْمان، فأمَرَه أن يَقْسِمَه فيهم.
قال الشافعي: وهم يُخالِفُون ما رَوَوْا عن الشَّعْبِي مِنْ وجهَيْن؛ أحدُهما: أنّهم يَزْعُمُون أنّ مَنْ كانتْ له مائتا درهمٍ فليس للوالي أن يُعْطِيَه، ولا له أن يَأخُذَ شيئًا مِنْ السُّهْمان المقْسُومَةِ بين مَنْ سَمَّى اللهُ ولا مِنْ الصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا، والذي (١) يَزْعُمُون أنّ عليًّا تَرَكَ له خُمُسَ رِكازِه رجلٌ له أربعةُ آلافِ درهمٍ، ولعلّه أن يَكُونَ له مالٌ سِواها، ويَزْعُمُون: إذا أخَذَ الوالي منه واجبًا في مالِه .. لم يَكُنْ له أن يَعُودَ به عليه ولا على أحَدٍ يَعُولُه، ويَزْعُمُون أنْ لو وَلِيَها هو لم يَكُنْ له حَبْسُها ولا دَفْعُها إلى أحَدٍ يَعُولُه، قال: فإذا كان له أن يَكْتُمَها، وللوالي أن يَرُدَّها إليه .. فليستْ بواجِبَةٍ عليه، وتَرْكُها وأخْذُها سَواءٌ، وقد أبْطَلُوا بهذا القولِ السُّنَّةَ في أنّ في الرِّكازِ الخمُسَ، وأبْطَلُوا حَقَّ مَنْ قَسَمَ اللهُ له مِنْ أهْلِ السُّهْمانِ الثمانيةِ.