لكلام الشافعي، والثاني - على اختياره ما يخالف قول الشافعي، وكلاهما محل نظر واجتهاد، لا ينقض بعض ذلك ببعض، وتعقبات المُزَني على الشافعي لم تكن أبدًا نكرانًا لجميله ولا كفرانًا بفضله، وإنما تحيزًا للحق حيث رآه، والحق أحق أن يُتَّبع، ولا شك أن المُزَني أعرف الناس بالشافعي فقهه ولغته ومراده، وقد يقول في كتابه (ف: ١١٣٦): «يُشْبِهُ أن يَكُونَ أراد الشافعيُّ لمعْرِفَتِي بلُطْفِه … »، وحكى التاج السُّبْكي عن والده الشيخ الإمام التقي أنه قال:«لا يَعرف قدر الشخص في العلم إلا من ساواه في رتبته، وخالطه مع ذلك، قال: وإنما يعرف قدره بمقدار ما أوتيه هو»، قال التاج:«وكان يقول لنا أيضًا: لا يقدِّر أحد النبي -صلى الله عليه وسلم- حقَّ قدره إلا الله تعالى، وإنما يعرف كل واحد من مقداره بقدر ما عنده هو، قال: فأعرف الأمة بقدره أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-؛ لأنه أفضل الأمة، قال: وإنما يعرف أبو بكر من مقدار المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ما تصل إليه قوى أبي بكر، وثَمَّ أمور تقصر عنها قواه لم يحطّ بها علمه، ومحيط بها علم الله»، قال التاج:«وكان يقول لنا: لا أحد من الأصحاب يعرف قدر الشافعي كما يعرفه المُزَني، قال: وإنما يعرف المُزَني من قدر الشافعي بمقدار قوى المُزَني، والزائد عليها من قوى الشافعي لم يدركه المُزَني»(١).
فهذه جماع الانتقادات الموجهة إلى المُزَني في كتابه، وليس أحد إلا رَدَّ ورُدَّ عليه، والمُزَني واحد من أهل العلم، وفوق كل ذي علم عليم، قال البَيْهَقي: «والذي راعى المُزَني من حق الشافعي في جمع ما تفرق من كلامه، واختصار ما بسط من قوله، وتقريبه على من أراده، وتسهيله على من قصده، من أهل الشرق والغرب .. أكثر، وفائدته أعم وأظهر،