للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه أراد بَعْضَ السّارِقِين دُونَ بَعْضٍ، وكذلك أنَّ المرادَ بمائةِ جَلْدَةٍ بَعْضُ الزُّناةِ دُون بَعْضٍ، لا مَنْ لَزِمَه اسْمُ سَرِقَةٍ وزِنًا.

(٢٧١٣) كذلك (١) أبان أنّ المرادَ بتَحْرِيمِ الرَّضاعِ بَعْضُ المرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ، واحْتَجَّ فيما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لسَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ - لمّا قالَتْ: كُنّا نَرَى سالِمًا وَلَدًا، وكان يَدْخُلُ عَلَيَّ وأنا فُضُلٌ (٢)، وليس لنا إلّا بَيْتٌ واحدٌ، فماذا تأمُرُني؟ - فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيما بَلَغَنا: «أرْضِعِيه خمْسَ رَضَعاتٍ»، فيَحْرُمُ بلَبَنِها، ففَعَلَتْ، فكانَتْ تَراه ابْنًا مِنْ الرَّضاعَةِ، فأخَذَتْ بذلك عائشةُ فيمَن أحَبَّتْ أن يَدْخُلَ عليها مِنْ الرِّجالِ، وأبَى سائرُ أزْواجِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أن يَدْخُلَ علَيْهِنّ بتلك الرَّضاعَةِ أحَدٌ مِنْ الناسِ، وقُلْنَ: ما نَرَى الذي أمَرَ به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلّا رُخْصَةً في سالمٍ وَحْدَه، ورَوَى الشافعيُّ أنّ أمَّ سَلمَةَ قالَتْ في الحديث: «هو لسالمٍ خاصَّةً»، قال الشافعي: وإذا كان خاصًّا فالخاصُّ مُخْرَجٌ مِنْ العامِّ، والدَّليلُ على ذلك قولُ الله عز وجل: {حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة: ٢٣٣]، فجَعَلَ الحَوْلَيْن غايَةً، وما جُعِلَ له غايَةٌ فالحُكْمُ بعد مُضِيِّ الغايَةِ خِلافُ الحكْمِ قَبْلَ الغايَةِ؛ كقوله: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: ٢٢٨]، فإذا مَضَت الأقْراءُ فحُكْمُهُنَّ بعد مُضِيِّها خلافُ حُكْمِهِنّ فيها (٣).


(١) كذا في ز ب، وفي ظ س: «فكذلك» بالفاء.
(٢)؛ أي: متبذلة في ثياب مهنتي، يقال: «تفضلت المرأة»: إذا لبست ثياب مهنتها، أو كانت في ثوب واحد، فهي فُضُلٌ، والرجل فُضُلٌ أيضًا. انظر: «النهاية» لابن الأثير (مادة: فضل).
(٣) قال إمام الحرمين في «النهاية» (١٥/ ٣٥٣): «في هذا الأصل تصرّفٌ للشافعي رمز إليه المزني ولم يستقصه، وذلك أن خطاب الرسول -عليه السلام- إذا اختص بمختصٍّ في حكاية حال فحكم الصيغة اختصاصُ الحكم بالمخاطب، وإذا قضينا بأن الناس في الشرع شَرَعٌ، حكمنا بأن حُكْمه على معيّن حكمٌ على الناس كافة، فهذا متلقى من دأب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإجماع، ومستند اعتقادهم في هذا ما كانوا يشاهدون من قرائن الأحوال في قصد رسول الله التعميمَ، فإذا اضطرب رأيهم في قصد التخصيص واللفظُ في نفسه مُختص بالمخاطب لم يجز تعميمُ الحكم، سيّما إذا اعتضد خلافُه بما يستقل دليلًا، وقد قال عز من قائل: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ} [البقرة: ٢٣٣]، فأثبت تمامَ الرضاعة في الحولين، فاقتضى مفهومُ الخطاب أن ما بعدهما ليس في حكم الرضاعة؛ إذ ليس بعد التمام أمر معتبرٌ منتظر، ولا يمكن حمل هذا على اعتياد الناس؛ فإنهم على أنحاء مختلفة».