للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأنّ الجانيَ ضامِنٌ لِما حَدَثَ مِنْ جِنايَتِه، والمسْتَقادُ منه غَيْرُ مَضْمُونٍ له ما حَدَثَ مِنْ القَوَدِ بسَبَبِ الحَقِّ.

قال المزني: وسَمِعْتُ الشافعيَّ يقولُ (١): «لو شَجَّه مُوضِحَةً فذَهَبَتْ منها عَيْناه وشَعْرُه فلم يَنْبُتْ، ثُمّ بَرَأ .. اقْتُصَّ مِنْ الموضِحَةِ، فإنْ ذَهَبَتْ عَيْناه ولم يَنْبُتْ شَعْرُه فقد اسْتَوْفى حَقَّه، وإن لم تَذْهَبْ عَيْناه ونَبَتَ شَعْرُه زِدْنا عليه الدِّيَةَ، وفي الشَّعْرِ حُكُومَةٌ، ولا أبْلُغُ بشَعْرِ رَأسِه ولا شَعْرِ لِحْيَتِه دِيَةً»، قال المزني: هذا أشْبَه بقَوْلِه عندي قياسًا على قَوْلِه: إذا قَطَعَ يَدَه فمات عنها أنَّه يَقْطَعُ، فإن ماتَ عنها فقد اسْتَوْفَى حَقَّه، فكذلك إذا شَجَّه مُقْتَصًّا فذَهَبَتْ منها عَيْناه وشَعْرُه، فقد أخَذَ حَقَّه، غَيْرَ أنّي أقُولُ: إن لم يَنْبُتْ شَعْرُه فعليه حُكُومَةُ الشَّعْرِ ما خَلا مَوْضِعَ الموضِحَةِ؛ فإنّه داخِلٌ في الموضِحَةِ، فلا يَغْرَمُه مَرَّتَيْن (٢).

(٢٨٨٩) قال الشافعي: ولو أصابَتْه مِنْ جُرْحِ يَدِه آكِلَةٌ، فقَطَعَ الكَفَّ لئلّا تَمْشِيَ الآكِلَةُ في جَسَدِه .. لم يَضْمَن الجاني مِنْ قَطْعِ الكَفِّ شَيْئًا (٣)،


(١) كذا في ظ س، وفي ز ب: «وسمعته يقول».
(٢) الذي ذهب إليه الجمهور تقرير النصين قرارهما، والقطعُ بأن القصاص لا يجب في أجرام الأعضاء بطريق السراية، ويجب القصاص في لطيفةِ البصر بالسراية، والفرق: أن الأجرام لا تقصد بالسراية غالبًا، بخلاف لطيفة البصر؛ فإنها مقصودة بالسرايات، فكانت كالروح التي تقصد بالسراية تارة ومباشرة الجنايات المُجهزة أُخرى، هذه الطريقة هي المذهب، ومن أصحابنا من ذهب إلى طريقة أخرى، فقال: ننقل النصين ونخرّج في البصر وفي أجرام الأعضاء قولين: أحدهما - أن السراية لا توجب القصاص في غير الروح؛ فإن البصر يندُر إزالته من غير قصد الحدقة، والقول الثاني - أن السراية فيهما جميعًا موجبةٌ للقصاص؛ طردًا للقياس في منتهى سرايات الجراحات، والظاهر من صنيع المزني: الذهاب إلى هذه الطريقة واختيار القول الثاني فيها. وانظر: «النهاية» (١٦/ ٢٠٧) و «العزيز» (١٧/ ٤٣١) و «الروضة» (٩/ ١٨٦).
(٣) كذا في ز ب س، وفي ظ: «من كف الكف شيئًا».