للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المزني: وإذا ارْتَفَعَت العِلَّةُ ارْتَفَعَ حُكْمُها، ورَجَعَ الحُكْمُ كما كان قَبْلَ الاضْطِرارِ، وهو تَحْرِيمُ اللهِ الميْتَةَ على مَنْ ليْسَ بمُضْطَرٍّ، ولو جاز أن يَرْتَفِعَ الاضْطِرارُ ولا يَرْتَفِعَ حُكْمُه، جاز أن يَحْدُثَ الاضْطِرارُ ولا يَحْدُثَ حُكْمُه، وهذا خِلافُ القُرآنِ (١).

(٣٥٠٦) وقال فيما وَضَعَ بخَطِّه لا أعْلَمُه سُمِعَ منه: إن مَرَّ المضْطَرُّ بتَمْرٍ أو زَرْعٍ .. لم أرَ بَأسًا أن يَأكُلَ ما يَرُدُّ جُوعَه ويَرُدَّ قِيمَتَه، ولا أرَى لصاحِبِه مَنْعَه فَضْلًا عنه، وخِفْتُ أن يَكُونَ أعانَ على قَتْلِه إذا خاف عليه بالمنْعِ الموْتَ.

(٣٥٠٧) قال الشافعي: ولو وَجَدَ المضْطَرُّ مَيْتَةً وصَيْدًا، وهو مُحْرِمٌ .. أكَلَ الميْتَةَ، ولو قيل: يَأكُلُ الصَّيْدَ ويَفْتَدِي كان مَذْهَبًا.

قال المزني: الصَّيْدُ مُحَرَّمٌ بغَيْرِه، وهو الإحْرامُ، ومُباحٌ لغَيْرِ مُحْرِمٍ، والميْتَةُ مُحَرَّمَةٌ بعَيْنِها لا بغَيْرِها على كُلِّ حَلالٍ وحَرامٍ، فهي أغْلَظُ تَحْرِيمًا، فإحْياءُ نَفْسِه بتَرْكِ الأغْلَظِ وتَناوُلِ الأيْسَرِ أوْلى به مِنْ رُكُوبِ الأغْلَظِ، وبالله التوفيق (٢).

(٣٥٠٨) وخالَفَ الشّافعيُّ المدَنِيَّ والكُوفِيَّ في الانْتِفاعِ بشَعْرِ الخِنْزِيرِ وفي صُوفِ الميْتَةِ وشَعْرِها، فقال: «لا يُنْتَفَعُ بشَيْءٍ مِنْ ذلك».


(١) يباح للمضطر أن يأكل من المحرم ما يسد الرمق قطعًا، ولا تحل الزيادة على الشبع قطعًا، وفي حل الشبع القولان اللذان نقلهما المزني عن الشافعي، وفَصَّل إمام الحرمين في «النهاية» (١٨/ ٢٢٤) تفصيلًا حاصله: إن كان في بادية وخاف إن ترك الشبع لا يقطعها ويهلك، وجب القطع بأنه يشبع، وإن كان في بلد وتوقع الطعام الحلال قبل عود الضرورة، وجب القطع بالاقتصار على سد الرمق، وإن كان لا يظهر حصول طعام حلال وأمكنه الرجوع إلى الحرام مرة بعد أخرى إن لم يجد الحلال فهو موضع الخلاف، قال النووي في زياداته على أصل «الروضة» (٣/ ٣٨٣): «هذا التفصيل هو الراجح، والأصح من الخلاف: الاقتصار على سد الرمق». وانظر: «العزيز» (٢٠/ ٤٢٨).
(٢) المذهب: يلزمه أكل الميتة. انظر: «العزيز» (٢٠/ ٤٤٦) و «الروضة» (٣/ ٢٨٩).