للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصورة الثانية: أن يجزم في الجديد بقول جزم في القديم بخلافه، لكن دون أن ينصّ على رجوعه عن القول القديم، فهل قوله الجديد رجوع عن القديم أو قول آخر له يبتغى الترجيح بينهما كما يبتغى بين القولين الجديدين؟ مذهبان للأصحاب حكاهما الشيخ أبو إسحاق الشيرازي والقاضي الحسين (١).

فقال بعض أصحابنا: إذا نصّ المجتهد على خلاف قوله لا يكون رجوعًا عن الأول، بل يكون له قولان.

والصحيح الذي عليه العمل أن الجديد في هذه الصورة رجوع عن القديم، وأشار إليه المُزَني (ف: ٣٠١٩) فقال: «رُجُوعُه عن القديمِ رَغْبَةٌ عنه إلى الجديدِ»، وهو مثل ما لو وجد من صاحب الشرع قولان مختلفان في وقتين مختلفين في حادثة واحدة، فإنه يكون الثاني نسخًا للأول، كذلك هاهنا يكون القول الثاني رجوعًا عن الأول، قاله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي والسمعاني فيما حكاه عن الماوردي مقرًّا له، وقال النووي: «هذا هو الصواب الذي قاله المحققون وجزم به المتقِنون من أصحابنا وغيرهم» (٢).

وقد أكثر إمام الحرمين في «النهاية» من تأييد هذا المذهب والقطع به فقال: «معتقَدي أن الأقوال القديمة ليست من مذهب الشافعي حيث كانت؛ لأنه جزم القول على مخالفتها في الجديد، والمرجوع عنه لا يكون مذهبًا للراجع» (٣)، وقال: «كل قول قديم عندي مرجوعٌ عنه غيرُ معدود من


(١) انظر «شرح اللمع» (٢/ ١٠٨٠)، و «التعليقة» (٢/ ١٠٣٣).
(٢) انظر «التبصرة» (ص: ٥١٢، و ٥١٤)، و «شرح اللمع» (٢/ ١٠٨٠) للشيخ أبي إسحاق، و «القواطع» للسمعاني (٥/ ٧٥)، و «المجموع» للنووي (١/ ١٠٩).
(٣) انظر «النهاية» (١/ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>