للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهنا يتسع باب البحث والنظر، وأحاول أن أرتِّب دلالاتها حسب ترتيب النظر فيها.

فأول ذلك: أن ذكر القولين واقتصاره عليهما إبطال لما عداهما، ذكره أبو إسحاق المروزي وغيره (١)، وهذا غرض فقهي صحيح جاء بنحوه الشرع والعمل المأثور، أمَّا الشرع .. فما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة القدر: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان»، فنفى أن تكون في غير شهر رمضان، وفي غير العشر الأواخر منه، وجعلها موقوفة على الاجتهاد في العشر الأواخر، وأما العمل المأثور .. فما فعله عمر في أهل الشورى، جعلها في ستة نفى بهم طلب الإمام في غيرهم ووقف الإمامة فيهم على من يؤدي الاجتهاد إليه منهم، وهذا عمل انعقد به إجماعهم، والشافعي -رحمه الله- في هذا العمل مقتدٍ بالشرع من الرسول -صلى الله عليه وسلم- والعمل من الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا يمتنع أن يبطل بالقولين ما عداهما ليكون الاجتهاد مقصورًا عليهما ولا يعدوهما.

الدلالة الثانية: أن ذكره القولين يدل على أن لكل واحد منهما في الاجتهاد وجهًا ودليلًا، وقد يكون ذلك لاختلاف القراءة في آية قرآنية لم يترجَّح عنده أحد وجوهها، مثل قوله تعالى: {أو لامستم النساء} [النساء: ٤٣]، فقراءة «لامستم» يوجب الوضوء على اللامس والملموس، و «لمستم» يوجبه على اللامس دون الملموس، وقد يكون ذلك لاختلاف الرواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كالمروي عنه -صلى الله عليه وسلم- في بيان المواقيت أنه صلى عشاء الآخرة في الوقت الثاني حين ذهب من الليل نصفه، وفي خبر آخر: حين ذهب من الليل ثلثه، ولأجل اختلاف القراءة والرواية اختلف قوله، ولا يتوجه عليه في مثل هذا إنكار؛ لأن اختلاف الدليل يوجب اختلاف المدلول، وترجيح


(١) وهو القسم السابع في «القواطع» للسمعاني (٥/ ٧١)، وانظر «التلخيص» لإمام الحرمين (٣/ ٤١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>