ومِمَّا عُرِفَ به المُزَنِيُّ حُسن البيان وبلاغة القول، وحقيقٌ به وقد صَحِبَ الشافعي على منزلته الرفيعة في البيان والعربية، وقد شرح في «المختصر» الكثير من مفردات اللغة، وذكر (ف: ١٧٠٩) وصية عمر بن الخطاب لعامله على الحمى هُنَيٍّ حيث قال: «يا هُنَيُّ، ضُمَّ جَناحَك للنَّاسِ، واتَّقِ دَعْوَةَ المظلومِ، فإنَّ دَعْوَةَ المظلومِ مُجابَةٌ، وأدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ والغُنَيْمَةِ، وإيَّايَ ونَعَمَ ابنِ عفَّانَ ونَعَمَ ابنِ عَوْفٍ، فإنَّهما إنْ تَهْلِكْ ماشِيَتُهما يَرْجِعَا إلى نَخْلٍ وزَرْعٍ، وإنَّ رَبَّ الغُنَيْمَةِ يَأتِينِي بعِيالِه فيَقُولُ: يا أميرَ المؤمنين يا أميرَ المؤمنين، أفَتارِكُهُم أنا لا أبا لَكَ؟ فالكَلَأُ أهْوَنُ عليَّ مِنْ الدينارِ والدراهمِ». ثم علق عليه المُزَنِيُّ بقوله:«هذا والله الكلامُ النَّقِيُّ، الذي مَنْ سَمِعَه يَظُنُّ أنّه يَقْدِرُ عليه، وإذا أرادَه أعْوَزَه». وهذا التعليق من المُزَنِيِّ يُشير إلى إحساسه اللُّغَوِيِّ والأدبي، فقد نَبَّه الشيخ عبد القاهر الجرجاني (ت ٤٧٤ هـ) إلى كلمات صَدَرَتْ عن البُلَغَاء وصلت إلى حَدِّ الإعجاز في معانيها فلا يرام التزيُّد عليها. وكان مما قاله في ذلك:«إنك تجد فُصُولًا تعلم أَنْ لن يُسْتَطَاع في معانيها مثلُها»، قال: «فمِمَّا لا يَخْفَى أنه كذلك .. قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه:(قيمة كلِّ امرئ ما يُحْسِنُه)، وقول الحسن رحمة الله عليه:(ما رأيت يقينًا لا شكَّ فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت)» (١).
وما ذكرنا دليل على تفنُّنٍ واسعٍ في العلوم لأبي إبراهيم المُزَنِيِّ، وقد روي عنه أنه سمع الشافعي يقول: «من تعلَّم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نَبُلَ قدره، ومن كتب الحديث قَوِيَتْ حجته، ومن نظر في اللغة رَقَّ