واستدلُّوا بسلامته في دولة المعتزلة على انحرافه، خصوصًا وقد أخذوا رفيقه البُوَيْطي موثقًا، وتصدَّر هو في مجلسه من بعده، فكثُر فيه القيل والقال، وعزوا له الانحراف في القرآن، فمن قائل بأنه من الواقفين في قضية القول بخلق القرآن، وآخرون عزوا له القول بالخلق.
قال ابن عبدالبَرِّ -رحمه الله-: «كان من يُعاديه ويُنافسه من أهل مصر يرمونه بأنه كان يقول: القرآن مخلوق، فهجره قوم كثير من أهل مصر، حتى كان يجلس مع نحو عشرة من أصحابه إلى عمود في المسجد»، قال ابن عبدالبَرِّ:«وهذا لا يَصِحُّ عنه»(١).
وعن أبي نُعَيْم قال: سمعتُ أبا القاسم الأَنْمَاطِيَّ يقول: «جالستُ المُزَني عشر سنين، فلما كان بأخرة اجتمعنا في جنازة بعض أصحابه، فقلت: إن الناس يتحدَّثون بمذهب المُزَني فينسبونه إلى أنه يتكلَّم في القرآن ويقول بالمخلوق، فلو سألناه؟ قال: فتقدَّمنا إليه فقلنا: يا أبا إبراهيم، إنما نسمع منك هذا العلم، ونحبُّ أن يُؤخَذ عنا ما نسمع منك، والناس يذكرون أنك سُئِلتَ عن القول بما يقول أهل الحديث في القرآن، ونحن نعلم أنك تقول بالسنة وعلى مذهب أهل الحديث، فلو أظهرت لنا ما تعتقده؟ فأجابنا فقال: أنا لم أعتقد قطُّ إلَّا أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولكني كرهت الخوض في هذا مخافة أن يكثر عليَّ، وأطالب بالنظر في هذا، وأشتغل عن الفقه، فلما كان من الغد بعث إليه رئيس من رؤساء الجهمية بمصر يقال له ابن الأصبغ رسولًا فقال: يا أبا إبراهيم، بعثني إليك فلان وهو يقول: لم تزل تُمْسِكُ عن الخوض في القرآن والكلام فيه، فما الذي بدا لك الآن؟ وقد بلغني أنك أجبت بكذا وكذا، فما حجتك فيما أجبت أن القرآن غير