(٣٤) ومنها: ما روي عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه: «كل مولود يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه يهوِّدانه أو ينَصِّرانه أو يمجِّسانه؛ كما تولد البهيمة، هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟»، قال معمر: قلت للزهري: لم تحدث بهذا وأنت على غيره؟ قال: نحدث بما سمعنا.
قال المزني: مخرج هذا عندي وبالله التوفيق: أن الله لما ادّان العباد بأعمالهم، ووضع التكليف عن صغارهم، أبان أن لا طاعة لهم ولا معصية في أفعالهم، فلما قال النبي:«كل مولود يولد على الفطرة» فلا تخلو الفطرة من إحدى منزلتَيْن: إما أن تكون على الإسلام، فلو كان كذلك لجاز أن يُنصَّر المسلمون ويُهَوَّدوا ويمَجَّسوا، فلما لم يجز أن يُنَصَّر المسلمون ولا تجري هذه اللفظة عليهم، بطل ذلك.
والمنزلة الأخرى - أن تكون الفطرة الخِلقة، قال الله عز وجل:(فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[الأنعام: ١٤]، وقال:(فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)[الروم: ٣٠]، ويقول الرجل في البئر:«أنا فطرتها»؛ أي: أحدثتها، وهذا أولى الأمرين بالمولود أنه على الخلقة، لم يبلغ ما يكون بفعله مسلمًا ولا غير مسلم، فجعل رسول الله حكمه حكم أبويه، فصار معنى:«يهوِّدانه» بمعنى: أن حكمه كحكمه؛ كما أن حكم مولود المؤمن كحكمه، فمتى بلغ مولود اليهودي وأقام على اليهودية كفر بفعله، وإن أسلم خرج من دين أبويه بفعله، والدليل على ذلك: أن الصعب بن جَثّامة قال: قلت: يرسول الله، أهل الديار من المشركين يُبَيَّتون فنُصِيب مِنْ ذراريهم؟ فقال:«هم منهم»، يقول: إنهم في معنى آبائهم، أن ليس عليهم فيهم كفارة ولا غرامة؛ كما ليس ذلك في آبائهم، وليس في هذا إباحة قتل الوِلْدان؛