ليكن الصِّدق لِسَانَك، والوفاء عِمادَك، والرحمة ثمرتك، والشكر طهارتك، والحق تجارتك، والتودُّد زينتك، والكتاب فطنتك، والطاعة معيشتك، والرضا أمانتك، والفهم بصيرتك، والرجاء اصطبارك، والخوف جِلْبَابك، والصدقة حِرْزك، والزكاة حصنك، والحياء أميرك، والحلم وزيرك، والتوكُّل درعك، وتكون الدنيا سجنك، والفقر ضَجِيعك، والحقُّ قائدك، والحجُّ والجهاد بغيتك، والقرآن محدِّثك، والله مؤنسك، فمن كانت هذه صفته كانت الجنة منزلته» (١).
ولقد كان الشافعي -رحمه الله- رجل فراسة ينظر بنور الله، وقد تفرَّس في أصحابه ما هم صائرون إليه، قال الربيع:«دخلنا على الشافعي عند وفاته أنا والبُوَيْطي والمُزَني ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم»، قال: «فنظر إلينا الشافعي ساعة فأطال، ثم التفت إلينا فقال: أمَّا أنت يا أبا يعقوب .. فتموت في حديدك، وأما أنت يا مُزَنِيُّ .. فستكون لك بمصر هَنَاتٌ وهَنَات، ولتدركنَّ زمانًا تكون أقيس أهل ذلك الزمان، وأما أنت يا محمد .. فسترجع إلى مذهب أبيك [يعني: مذهب مالك رحمه الله]، وأما أنت يا ربيع ..
(١) أخرجه البَيْهَقي في «المناقب» (٢/ ٢٩٤) عن محمد بن الحسين السُّلَمِي قال: أنبأنا أبو نصر: محمد بن محمد بن عيينة الشَّعْرَاني بمرو، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أوس، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن محمد الموصلي بِتِرْمِذ في الجامع، قال: حدثنا مكي بن هارون الزِّنْجَاني بِزِنْجَان، عن أبي عبد الله بن شاكر عن المُزَني به، وقد أخرج قبله أصل خبر دخوله على الشافعي عن محمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثني أحمد بن الحسين الصُّوفي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين العطار بمصر، قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: «دخل المُزَنِي على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقال له: كيف أصبحت يا أستاذ؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلًا، ولإخواني مُفارقًا، ولكأس المنيَّة شاربًا، وعلى الله واردًا، ولسوء أعمالي ملاقيًا».