(٢) هذا الذكر يسمى دعاء الاستفتاح، وقد أخرجه الشافعي في مسنده (٢٠١ ترتيب سنجر) من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وله عنده تتمة: «اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهديني لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئَها لا يصرف عني سيِّئَها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير بيديك، والشر ليس إليك، والمَهْديُّ من هَدَيْت، أنا بك وإليك، لا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك»، وهو بنحوه عند مسلم (٧٧١)، وشرح أبو منصور في «الزاهر» (ص: ١٦١ - ١٦٦) غريبه، وأنا ألخص شرحه. فقوله: «وجَّهْتُ وجْهي»؛ أي: أقبلت بوجهي، قال ابن فارس في «الحلية» (ص: ٧٨): وربما عُبِّر بالوجه عن الذات فيكون المعنى: توجَّهْتُ أنا إلى الله، «الذي فطر السمواتِ والأرضَ»؛ أي: ابتدأ خلقهما على غير مثال تقدمهما، «حنيفًا»؛ أي: حال كوني مستقيمًا، وأصل «الحنيف»: المائل، و «الحَنَفُ» في الرِّجْل أن تميل القدمان كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها، وسمى الله عز وجل خليله إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- حنيفًا؛ لأنه حَنَف إلى الله عز وجل؛ أي: مال إلى الله، وهو الاستقامة. وقوله: «إن صلاتي ونسكي» فـ «الصلاة»: اسم جامع للتكبير والقراءة والركوع والسجود والدعاء والتشهد والثناء على الله عز وجل، و «النسك»: العبادة، و «الناسك»: العابد الذي يخلص عبادة الله ولا يشرك به، وأصله من «النسيكة» وهي النقرة المذابة المصقلة من كل خلط، والنَّسيكة أيضًا: القربان الذي يُتقرَّب به إلى الله عز وجل، وجمعها: «نُسُك». وقوله: «وأنا من المسلمين»؛ أي: المستسلمين لأمر الله، الخاضعين له، المنقادين لطاعته. وقوله: «اللهم» معناه: يا ألله، والميم مشدودة عوض من ياء النداء، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم قبلها، «أنت الملك»؛ أي: القادر على كل شيء، تملك الملك، لا شريك لك. وقوله: «سبحانك اللهم» معناه: أسبحك؛ أي: أنزهك عما يقول الظالمون فيك، «وبحمدك» الباء معناها معنى الابتداء؛ أي: وبحمدك أبتدئ، وحمده: الثناء عليه، وقد دخل فيه «سبحان الله»؛ لأنه ثناء على الله تعالى. وقوله: «أنت ربي»؛ أي: مالكي ومالك أمري، لا مالك لي غيرك، «وأنا عبدك»؛ أي: لا أعبد غيرك، ولا أضمر إلا طاعتك، كأنه يقول: أبرئ الله عز وجل عن كل ضد وند. وقوله: «ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي» اعتراف بالذنب قدمه على مسألة الله عز وجل المغفرةَ؛ كما علم الله عز وجل آدم -عليه السلام- عند خطيئته أن يقول: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وقال تعالى حكاية عن آدم: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ)، وقوله: «فاغفر لي ذنوبي»؛ أي: استرها بعفوك، ولا تؤاخذني بها، «واهدني لأحسن الأخلاق»؛ أي: أرشدني لها وإليها، «واصرف عني سيئها»؛ أي: اصرف عني قبيح الأخلاق. وقوله: «لبيك» من «اللَّبِّ» وهو الإقامة على الطاعة، يقال: «لَبَّ بالمكان وأَلَبَّ»: إذا أقام به «لَبًّا وإلبابًا»، ثم قيل: «لَبَّيْنِ» بمعنى: إقامةً بعد إقامة، ثم أضيف إلى كاف الخطاب وحذفت النون للإضافة، فمعنى «لبيك»: أقمت على طاعتك إقامة بعد إقامة. وقوله: «وسعديك»؛ أي: متابعة لدينك الذي نصبته، ولنبيك الذي ارتضيته بعد متابعة، وأصله موافقة العبد أمرَ ربه بما يعود على العبد بالسعادة. وقوله: «الخير في يديك، والشر ليس إليك» قال الخليل وكان مثبِتًا للقدر: «معناه: لا يُتقرَّب بالشر إليك». وقوله: «أنا بك وإليك»؛ أي: أعتصم وأعوذ بك، وألجأ إليك، «تباركت»؛ أي: يتبرك العباد بتوحيده وذكر اسمه، والتبرك طلب البركة، والبركةُ: النماء. وقوله: «وأتوب إليك»؛ أي: أرجع إلى طاعتك، وأنيب إليك، والتائب: الراجع إلى طاعة ربه بعد معصيته وخطيئته.