للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلة العبارة مع البيان، والذي جعل أسلافنا ينتهجون هذا النوع من الاختصار تيسير نقل الكتاب واستنساخه ودراسته على المتعلمين، حيث إن النسخ اليدوي مع قلة أدواته كان سببًا في عدم الاهتمام بالمطوّلات في كثير من الأحيان، فكان الاختصار هدفًا من أهداف التأليف، كما أنه كان وسيلة من وسائل حفظ الكتاب من الضياع.

وقد ذكرنا أن المُزَني اختصر كتب الشافعي المتفرِّقة في كتاب «الجامع الكبير» في نحو ألف ورقة، ثم استكثر هذا المختصَر الكبير فاختصره في نحو ثلاثمائة ورقة، قريبًا من ثلث حجم «الجامع»، فاهتم الناس بالمختصَر الصغير وتركوا أصله الكبير على اختصاره، حتى قال القاضي الحسين أنه غير موجود في ديار خراسان بالتمام (١)، وقال ابن الصلاح أنه كالمتروك (٢)، كما أن الكثير من مؤلفات الشافعي أيضًا ضاعت، وبَقِيَ هذا المختصَر وانتشر وتداوَله الأئمة العلماء بالرواية والشرح والنقد، وقد حَكَى الماوردي أن أصحاب الشافعي «اقتصروا على مختصَر أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المُزَني رحمه الله؛ لانتشار الكتب المبسوطة عن فهم المتعلِّم، واستطالة مراجعتها على العالم، فجعلوا المختصَر أصلًا يمكنهم تقريبه على المبتدئ، واستيفاؤه للمنتهي» (٣).

ورابعها - إلقاء المباني وإبقاء المعاني، فقد يأتي الشافعي بالمسألة الفقهية مفصلًا في كلام طويل فيضطر المُزَني إلى التصرف في عبارته مع الإبقاء على الغرض المقصود له، وينبغي أن يلاحظ هنا أنه ليس من غرض


(١) انظر «التعليقة» (١/ ١١٠).
(٢) انظر «شرح مشكل الوسيط» (٣/ ١٢٧)، وقد تقدَّم نقل كلامه.
(٣) انظر «الحاوي» (١/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>