للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالعمرةِ إلى الحجِّ وإفرادَ الحجِّ والقرانَ واسعٌ كلُّه، وثَبَتَ أنّه خَرَجَ -صلى الله عليه وسلم- يَنْتَظِرُ القضاءَ، فنَزَلَ عليه القضاءُ وهو فيما بين الصفا والمَرْوَة، فأمَرَ أصحابَه أنّ مَنْ كان مِنهم أهَلَّ ولم يَكُنْ معه هَدْيٌ أن يَجْعَلَها عمرةً، وقال: «لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ ما سُقْتُ الهدْيَ، ولجَعَلْتُها عمرةً».

وقال: فإن قال قائلٌ: فمِن أين أثْبَتَّ حديثَ جابرٍ وعائشةَ وابنِ عمرَ وطاوسَ دون حديثِ مَنْ قال: قَرَنَ؟ .. قيل: لتَقَدُّم صُحْبَةِ جابرٍ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وحُسْنِ سِياقِه لابْتِدَاءِ الحديثِ وآخِرِه، ولروايةِ عائشةَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وفَضْلِ حِفْظِها عنه، وقُرْبِ ابنِ عُمرَ منه، ولأنّ مَنْ وَصَفَ انتظارَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- القضاءَ - إذْ لم يَحُجَّ مِنْ المدينة بعد نُزولِ فَرْضِ الحجِّ طَلَبَ الاختيارَ فيما وَسَّع اللهُ له مِنْ الحجِّ والعمرةِ - يُشْبِهُ أن يَكُونَ أحْفَظَ؛ لأنّه قد أتِي في المتلاعِنَيْن فانْتَظَر القضاءَ، فكذلك حُفِظَ عنه في الحجِّ: يَنْتَظِرُ القضاءَ.

قال المزني: إنْ ثَبَتَ حديثُ أنسٍ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قَرَنَ حتّى يَكُونَ مُعارِضًا للأحاديث سواه .. فأصلُ قولِ الشافعيِّ أنّ العمرةَ فَرْضٌ، وأداءُ الفَرْضَيْنِ في وَقْتِ الحجِّ أفْضَلُ مِنْ أداءِ فَرْضٍ واحدٍ؛ لأنَّ ما كَثُرَ عَمَلُه لله تبارك وتعالى كان أكْثَرَ (١) في ثوابِ الله (٢).


(١) في ز: «أكمل».
(٢) اتفق قول الشافعي على أن الإفراد والتمتع أفضل من القران، واختلف قوله فيهما: أيهما أفضل؟ والمذهب المنصوص في عامة كتبه أن الإفراد أفضل، وقال في «اختلاف الحديث»: إن التمتع أفضل، عزاه له الرافعي، وعزاه الروياني إلى القديم وكتاب «اختلاف العراقيين» و «مختصر الحج الصغير»، وأما مذهب المزني .. فقد عزا له الرافعي والنووي تفضيل القران بالجزم، وقال الروياني في «البحر» (٣/ ٣٩٦): «يريد أن القياس يدل على تفضيل القران، ولكن إنما يصار إلى القياس بشرط، وهو أن يثبت حديث أنس في قران رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى يعارض أحاديث من يروي الإفراد، ثم إذا تقابلت الأحاديث صرنا إلى القياس، ثم كشف قياسه الذي احتج به أن القارن يأتي بالنسكين معًا في الوقت الأفضل، وهو وقت الوقوف ويوم النحر، ولا يتأتى ذلك للمفرد، والعمل الأكثر في الوقت الأفضل، أفضل من الاقتصار على العمل القليل في الوقت الأفضل». وانظر: «العزيز» (٤/ ٦٧٤) و «الروضة» (٣/ ٤٤) و «المجموع» (٧/ ١٤٢).