ارتآه، ولا يخفى ما كان لذلك من الأثر الكبير في الحفاظ على الفقه الشافعي وتقريبه إلى متلقِّيه.
وثانيها - الربط بين الأشباه والنظائر من مسائل الفقه في أبوابها، والمُزَني بهذا العمل أثبت أولًا أن الفقه صار له سجية، وأنه احتواه في ذهنه فبات الغالب على فكره واجتهاده، ثم أصل طريقة متبعة من بعده لنقل أقوال الشافعي وتخريجها من مسألة إلى أخرى، فهو الذي قعَّد قواعد هذا المسلك الذي سلكه من بعده الشافعية كلهم، ولا يكاد يعرف لغيره من أصحاب الشافعي شيء منه، اللهم إلا بعض فروع ومسائل.
وثالثها - استخراج الأصول والقواعد الفقهية التي بنى عليها الشافعي، فقد عُنِيَ المُزَني بالتعرف على أصول الشافعي التي هي أجلُّ مميِّزاته من خلال النظر في أسلوبه في الاستدلال، ومن قواعد الشافعي التي ذكرها في «المختصَر»: «اليقين لا يزول إلا باليقين»، و «الرُّخصة لا تكون لعاصٍ»، و «التأقيت لا يُدرَك إلا بخبر»، و «كل من أفسد شيئًا ضَمِنَ قيمة ما أفسد خطأً أو عمدًا»، وبَيَّضَ لتحرير قاعدة الشافعي في تفريق الصفقة لكنه لم يتمكَّن من ذلك في حياته (ب ١٣٢)، وعنه أنه قال:«قرأت كتاب الرسالة للشافعي خمسمائة مرة، ما من مرة منها إلا واستفدت منها فائدة جديدة لم أستفدها في الأخرى»، وقال:«أنا أنظر في كتاب الرسالة عن الشافعي منذ خمسين سنة، ما أعلم أنِّي نظرت فيه من مرة إلا وأنا أستفيد شيئًا لم أكن عرفته»(١)، وهذا دليل على عقلية متتبعة للأشباه والنظائر متعطِّشة للأصول والمناهج، وذلك دأب الفقيه.