للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُنْتَقِضًا، وإذْ قال: لا يَنْتَقِضُ به البيعُ فقد ثَبَتَ تحْلِيلُ الثَّمَن، غيرَ أنّه بالتَّدْلِيسِ مَأثُومٌ، فتَفَهَّمْ.

قال المزني: وهذا عندي غَلَطٌ، لو كان الثَّمَنُ مُحَرَّمًا وبه وَقَعَت العُقْدَةُ كان البيعُ فاسدًا، أرأيتَ لو أنّه اشْتَراها بجاريةٍ، فدَلَّسَ المشتري في الثَّمَنِ كما دَلَّسَ البائعُ فيما باع، فهذا إذًا حرامٌ بحرامٍ، يَبْطُلُ به البيعُ، ليس كذلك، إنّما حرامٌ عليه التدليسُ، والبيعُ نفسُه جائزٌ، وإنْ كان مِنْ أحدِهما سَبَبٌ يَحْرُمُ، وليس السببُ هو البيعَ، لو كان هو البيعَ لحَرُمَ البيعُ وفَسَدَ الشِّراءُ، فتَفَهَّموه كذلك تَجِدُوه إن شاء الله تعالى (١).


(١) قول المزني في الفقرتين من ظ ز س، وقوله: «فتفهموه كذلك تجدوه إن شاء الله تعالى» من س، وفي ز: «فتفهم» لا غير، وسقط من ظ، والفقرتان في ب وردتا في آخر «باب الخراج بالضمان»، عقيب قوله: «وحرام التدليس، ولا ينقض به البيع» (الفقرة: ١١٠٤)، ونصه: «قال أبو عبدالله محمد بن عاصم: سمعت المزني يقول: هذا غلط عندي، فلو كان الثمن محرمًا بالتدليس .. كان البيع بالثمن المحرم منتقضًا، وإذا قال: لا ينتقض به البيع .. فقد ثبت تحليل الثمن، غير أنه بالتدليس مأثوم، فتفهم، فلو كان الثمن محرمًا وبه وقعت العقدة كان البيع فاسدًا، أرأيت لو اشتراها بجارية، فدلس المشتري بالثمن؛ كما دلس البائع بما باع، فهذا إذًا حرام بحرام، يبطل به البيع، فليس كذلك، إنما حرم عليه التدليس، والبيع في نفسه جائز، ولو كان من أحدهما سبب يحرم، فليس السبب هو البيع، ولو كان هو السبب حرم البيع وفسد الشراء، فتفهم»، وواضح عليه أنه اختصار للفقرتين فوق، وقد أشار الروياني في «البحر» (٤/ ٥٧٣) إلى اختلاف النسخ في إثبات هذا التعقيب.
ثم إنه ألحق بهامش س مصححًا: «قال المزني: وقولُه: (يكون التدليس محرمًا، وما أخذ من ثمنه محرَّمًا) .. يوجب أن يكون البيع باطلًا؛ لأن المثمن أو الثمن الحرام يوجب بطلان البيع».
قال عبدالله: إذا تقرر هذا فإن المزني تأول كلام الشافعي فيما قصد به مالكًا في إبطاله البيع بظهور الخيانة - وهو قوله: (لأنه لم ينعقد على محرم عليهما معًا، وإنما وقع محرمًا على الخائن منهما) - فحمله على أن الشافعي أراد به: تحريم الثمن على أحدهما، وقال المزني: لو كان الثمن حرامًا وقت العقد لكان البيع فاسدًا، وإنما يحرم السبب - وهو الخيانة - دون الثمن، وسيأتي تقرير نحوه في «باب بيعتين في بيعة» (الفقرة: ١١٤١).
قال الروياني في «البحر» (٤/ ٥٧٣): «أجاب أصحابنا عن هذا بأن مراد الشافعي تحريم فعل التدليس واكتساب الثمن به».
وقال الإمام أبو محمد الجويني: «ليس هذا بإنصاف للمزني؛ لأن الشافعي قال: (فيكون التدليس محرمًا)، فأفادنا تحريم هذا الفعل، ثم زاد فقال: (وما أخذ من ثمنه محرمًا)، فلا بد من زيادة».
وأجاب الماوردي في «الحاوي» (٥/ ٢٨٦) بأن الشافعي لم يُرِد تحريم الثمن في عينه كما توهم المزني، وإنما أراد تحريم السبب، وهو التدليس والخيانة، فكان التحريم راجعًا إلى فعل العاقد دون العقد، والتحريم إذا رجع إلى العاقد دون العقد لم يبطل العقد، فعبر الشافعي عن تحريم الفعل بتحريم الثمن؛ لأنه لما كان مأخوذًا عن سبب محرم جاز أن يعبر عنه بأنه محرم.