للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(١٦٢٣) قال الشافعي: سَاقَى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أهلَ خَيْبَرَ على أنّ نِصفَ الثمرِ لهم، فكان يَبْعَثُ ابنَ رواحةَ فيَخْرُصُ بَيْنَه وبينهم، ثم يَقولُ: «إنْ شِئتُم فلكم، وإن شِئتُم فلي».

(١٦٢٤) قال الشافعي: ومعنى قولِه: «إنْ شِئتُم فلكم، وإنْ شِئتُم فلي»: أن يَخْرُصَ النخلَ كأنّه خَرَصَها مائةَ وَسْقٍ وعَشَرَةَ أوْسُقٍ رُطَبًا، ثُمّ قَدَّرَ أنّها إذا صارتْ تمرًا نَقَصَتْ عَشَرةَ أوْسُقٍ، فصَحَّتْ فيها مائةُ وَسْقٍ تمرًا، فيَقُولُ: إنْ شِئتُم دَفَعْتُ إليكم النصفَ الذي ليس لكم، الذي أنا فيه قَيِّمٌ لأهلِه، على أنْ تَضْمَنُوا لي خمسين وَسْقًا تمرًا، مِنْ تمرٍ يُسَمِّيه ويَصِفُه، ولكم أنْ تَأكُلُوها وتَبِيعُوها رُطَبًا كيف شِئتُم، وإنْ شِئتُم فلي، أكُونُ هكذا مِثْلَكُم، تُسَلِّمُون إليَّ نِصْفَكُم، وأضْمَنُ لكم هذه المَكِيلَةَ.

(١٦٢٥) قال الشافعي: فإذا سَاقَى على النَّخْلِ أو العِنَبِ بجُزْءٍ مَعْلومٍ .. فهي المساقاةُ التي سَاقَى عليها رسولُ الله (١)، وإذا دَفَعَ إليه أرْضًا بيضاءَ على أن يَزْرَعَها المدْفُوعَةُ إليه، فما أخْرَجَ الله تبارك وتعالى منها مِنْ شيءٍ فله جُزْءٌ مَعْلُومٌ .. فهذه المُخابَرَةُ التي نَهَى عنها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم نَرُدَّ إحْدَى سُنَّتَيْه بالأخْرَى (٢).

(١٦٢٦) فالمساقاةُ جائزةٌ بما وَصَفْتُ في النَّخْلِ والكَرْمِ دون غيرِهما؛


(١) «المساقاة»: أن يدفع الرجل إلى الرجل حائط نخل، على أن يقوم بسقيها وقضابها وإبارها وعمارتها، ويقطع له سهمًا معلومًا مما يخرج من ثمارها، أُخِذت المساقاة من السقي؛ لأن سقيها من أهم أمرها، وكانت النخيل بالحجاز تسقى نضحًا فتعظم مؤونتها، والمساقاة في النخيل والكروم كالمخابرة في الأَرَضين، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المخابرة وأجاز المساقاة. «الزاهر» (ص: ٣٤٧) و «الحلية» (ص: ١٤٨).
(٢) قال إمام الحرمين في «النهاية» (٨/ ٦): «أشار إلى أن القياسَ التسويةُ بين المساقاة والمزارعة في الجواز والمنع، ولكن السنة فرقت بينهما، ووردت بتجويز المساقاة وبالمنع من المخابرة».