للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(١٨٤٤) قال الشافعي: ولو قال: أحِجُّوا عنّي رجلًا بمائة درهمٍ، وأعْطُوا ما بَقِي مِنْ ثُلُثِي فلانًا، وأوْصَى بثُلُثِ مالِه لرجلٍ بعَيْنِه .. فللمُوصَى له بالثلثِ نِصْفُ الثلثِ، وللحاجِّ والموصَى له بما بَقِي نصفُ الثلثِ، ويَحُجُّ عنه رجلٌ بمائةٍ.

(١٨٤٥) ولو أوْصَى بأمَةٍ لزَوْجِها وهو حُرٌّ .. فلم يَعْلَمْ حتّى وَضَعَتْ له بعد مَوْتِ سَيِّدِها أولادًا .. فإنْ قَبِلَ عَتَقُوا، ولم تَكُنْ أمُّهُم أمَّ وَلَدٍ حتّى تَلِدَ منه بعد قَبُولِه بستَّةِ أشْهُرٍ فأكْثَرَ؛ لأنّ الوطءَ قبل القَبُولِ وطءُ نكاحٍ، ووطءُ القبولِ وطءُ مِلكٍ، فإنْ مات قبل أن يَقْبَلَ أو يَرُدَّ .. قام ورَثَتُه مَقامَه، فإنْ قَبِلُوا فإنّما مَلَكُوا لأبيهم، وأولادُ أبيهم الذين وَلَدَتْ بعد مَوْتِ سَيِّدِها أحرارٌ، وأمُّهم مملوكةٌ، وإنْ رَدُّوا كانوا مماليكَ، وكَرِهْتُ ما فَعَلُوا.

قال المزني: قلت أنا (١): لو مات أبُوهُم قبل المِلْكِ .. لم يَجُزْ أن يَمْلِكُوا عنه ما لم يَمْلِكْ، ومِن قولِه [ف: ٧١٦]: «لو أهَلّ شوّالٌ ثُمّ قَبِلَ كانت الزكاةُ عليه»، وفي ذلك دليلُ أنّ المِلْكَ مُتَقَدِّمٌ، ولولا ذلك ما كانتْ عليه زكاةُ ما لا يَملِكُ (٢).


(١) «قلت أنا» من ب.
(٢) قوله: «ما لا يملك» من ز ب س، ولا وجود له في ظ.
ثم إن هنا تنبيهين:
الأول: اعلم أن مبنى هذه المسألة على أصل عظيم في الوصايا، وهو: متى يملك الموصى له الموصى به؟ وفيه ثلاثة أقوال: أحدها عن رواية ابن عبدالحكم المصري وأبي ثور - أنه يملك بالموت؛ لأن استحقاقه يتعلق بالموت، فأشبه الميراث. والثاني - أنه يملك بالقبول؛ لأنه تمليك بعقد، فيتوقف الملك فيه على القبول؛ كما في البيع ونحوه، وعلى هذا فالملك قبل القبول للوارث أو يبقى للميت؟ فيه وجهان، أصحهما: الأول، والقول الثالث وهو الأظهر واختيار المزني - أنا نتوقف في الحال، فإن قبل: تبينا أنه ملك من يوم الموت، وإلا تبينا أنه كان ملكًا للوارث من يومئذٍ. انظر: «العزيز» (١١/ ٥٤٤) و «الروضة» (٦/ ١٤٣)، وانظر (الفقرة: ١٨٤٦).
والتنبيه الثاني: قول المزني: «ولو أوْصَى بأمَةٍ لزَوْجِها وهو حُرٌّ .. فلم يَعْلَمْ حتّى وَضَعَتْ له بعد مَوْتِ سَيِّدِها أولادًا .. فإنْ قَبِلَ عَتَقُوا، ولم تَكُنْ أمُّهُم أمَّ وَلَدٍ حتّى تَلِدَ منه بعد قَبُولِه بستَّةِ أشْهُرٍ فأكْثَرَ» .. فيه إشكال من وجهين: أحدهما: أنه لِمَ اعتبر عدم العلم بالوصية؟ وهل يفترق الحال بين أن يعلم أو لا يعلم؟ والثاني: أنه حكم بحرية الأولاد وبأنها لا تصير أم ولد له، فإن فرع على أن الملك يحصل بالموت أو على قول التوقف، فلم اعتبر مضي الأشهر في مصير الجارية أم ولد له؟ وإن فرع على الحصول بالقبول فلم حكم بحرية الأولاد في الحال؟
أما الأول .. فعن الخضري ما يقتضي الفرق بين العلم وعدمه، واحتج عليه بأن الشافعي حكم فيما إذا وطئ أمة الغير على ظن أنها زوجته الحرة بحرية الولد، ولو ظن أنها زوجته الرقيقة يكون الولد رقيقًا، فاختلف الحكم باعتقاده، والصحيح: أنه لا فرق في ثبوت أمية الولد بين أن يكون عالمًا أو لا يكون، حتى لو وطئ أمته على ظن أنها لغيره أو أنها حرة وأحبلها ثبتت أمية الولد، فإذن قوله: «ولم يعلم» كأنه خرج مخرج الغالب، فإن الغالب أن الوصية لا تبقى المدة الطويلة معلقة، غير مردودة ولا مقبولة، إلا إذا لم يعلم الموصى له بالوصية لغيبة أو نحوها.
وأما الثاني .. فقد قيل: إنه تخليط من المزني، فقوله: «عتقوا» تفريع على أن الملك يحصل بالموت، وقوله: «لا تصير أم ولد له» تفريع على أنه يحصل بالقبول، وقال الأكثرون: بل هو تفريع على قول التوقف وتبين حصول الملك بالموت، وأراد بالقبول في قوله: «بعد قبوله» الموت، سماه قبولًا لأنه وقت القبول، ومنهم من قال: لفظ الشافعي: «الموت»، لكن المزني غلط فيه.
وبالجملة: فهذا من المواضع التي أطنب فيها الشارحون للمختصر. انظر: «النهاية» (١١/ ٢٢٣) و «العزيز» (١١/ ٥٥٤) و «الروضة» (٦/ ١٥٣).