المالَ صنفان، فكان إذا حَرَمَه أحَدَ الصِّنْفَيْن تَماسَكَ ولم يَدْخُلْ عليه خَلَّةٌ مُضِرَّةٌ، وإن آسَى بيْنَه وبيْنَ الصِّنْفِ الآخَرِ كانتْ على الصنف الآخر خَلَّةٌ مُضِرَّةٌ .. أعْطاه الذين فيهم الخَلَّةُ المضِرَّةُ كُلَّه، قال: ثُمّ قال بعضُ مَنْ قال: إذا صَرَفَ مالَ الفيءِ إلى ناحيةٍ فسَدَّها وحَرَمَ الأخْرَى، ثُمّ جاء مالٌ آخَرُ .. أعْطاها إيّاه دون الناحيةِ التي سَدَّها؛ فكأنّه ذَهَبَ إلى أنّه إنّما عَجَّلَ أهْلَ الخَلَّةِ وأخَّرَ غيرَهم حتّى أوْفَاهُم بعدُ.
(١٩٤٥) قال: ولا أعْلَمُ أحَدًا منهم قال: يُعْطَى مَنْ يُعْطَى مِنْ الصدقاتِ ولا مجاهدٌ مِنْ الفيءِ (١)، وقال بعضُ مَنْ أحْفَظُ عنه: فإنْ أصابَتْ أهلَ الصدقاتِ سَنَةٌ تُهْلِكُ أموالَهم أنْفِقَ عليهم مِنْ الفَيْءِ، فإذا اسْتَغْنَوْا عنه مُنِعُوا الفيْءَ، ومنهم مَنْ قال في مالِ الصدقاتِ هذا القولَ، يُرَدُّ بعضُ مالِ أهلِ الصَّدَقاتِ إلى أهلِ الفَيْءِ.
(١٩٤٦) قال الشافعي: والذي أقولُ به وأحْفَظُ عمّن أرْضَى ممّن سمعتُ منه: أن لا يُؤَخَّرَ المالُ إذا اجْتَمَعَ، ولكن يُقْسَمُ، فإنْ كانتْ نازلةٌ مِنْ عَدُوٍّ وَجَبَ على المسلمين القيامُ بها، وإنْ غَشِيَهُمْ عَدُوٌّ في دارِهم وَجَبَ النَّفِيرُ على جميعِ مَنْ غَشِيَه، أهلِ الفَيْءِ وغيرِهم.
(١٩٤٧) قال الشافعي: أخبرنا غيرُ واحدٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، أنّه لمّا قُدِمَ على عمرَ بمالٍ أصِيبَ بالعراقِ، قال له صاحبُ بَيْتِ المالِ: ألا تُدْخِلُه بيتَ المالِ؟ قال: لا ورَبِّ الكعبة، لا يَأوِي تحت سَقْفِ بيتٍ حتّى أقْسِمَه، فأمَرَ به فوُضِعَ في المسجدِ، ووُضِعَتْ عليه الأنْطاعُ، وحَرَسَتْه رجالٌ مِنْ المهاجرين والأنصار، فلمّا أصْبَحَ غَدَا معه العباسُ بنُ عبدِالمطلب وعبدُالرحمن بنُ عوفٍ آخِذًا بيَدِ أحدِهما - أو: أحدُهما آخذٌ بيَدِه - فلمّا
(١) أراد بالمجاهدين: الغزاة المتطوعين الذين لم يُثبِتوا أسماءهم في الديوان. انظر: «النهاية» (١١/ ٥٢٥).