للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَأوْه كَشَفُوا الأنْطاعَ عن الأموالِ، فرَأى مَنْظَرًا لم يَرَ مِثْلَه، والذهبُ فيه والياقوتُ والزَّبَرْجَدُ واللُّؤلُؤُ يَتَلألأ، فبَكَى، فقال له أحدُهما: إنّه والله ما هو بيَوْمِ بُكاءٍ، لكنّه يومُ شُكْرٍ وسُرُورٍ، فقال: إنّي والله ما ذَهَبْتُ حيثُ ذَهَبْتَ، ولكنْ والله ما كَثُرَ هذا في قومٍ قَطُّ إلّا وَقَعَ بأسُهُم بَيْنَهُم، ثُمّ أقْبَلَ على القِبْلَةِ ورفعَ يدَيْه إلى السماءِ وقال: اللهمّ إنّي أعوذُ بك أن أكونَ مُسْتَدْرَجًا؛ فإنّي أسْمَعُك تَقُولُ: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [الأعراف: ١٨٢] (١)، ثُمّ قال: أيْنَ سُراقَةُ بنُ جُعْشُمٍ؟ فأُتِيَ به أشْعَرَ الذِّراعَيْن دَقِيقَهما، فأعْطاه سِوارَيْ كِسْرَى وقال: الْبَسْهُما، ففَعَلَ، فقال: قُلْ: اللهُ أكبرُ، قال: اللهُ أكبرُ، قال: قل: الحمدُ لله الذي سَلَبَهُما كِسْرَى بنَ هُرْمُزَ وألْبَسَهُما سُراقَةَ بنَ جُعْشُمٍ، أعْرابِيًّا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وإنّما ألْبَسَهُما إيّاه؛ لأنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لسُراقَةَ ونَظَرَ إلى ذِراعَيْه: «كأنّي بك قد لَبِسْتَ سِوارَيْ كِسْرَى»، ولم يَجْعَلْ له إلّا سِوارَيْه، وجَعَلَ يُقَلِّبُ بعضَ ذلك بَعْضًا ثُمّ قال: إنّ الذي أدَّى هذا لأمينٌ، فقال قائلٌ: أنا أخْبِرُك، أنت أمينُ الله، وهم مُؤَدُّونَ إليك ما أدَّيْتَ إلى الله، فإذا رَتَعْتَ رَتَعُوا، قال: صَدَقْتَ، ثُمّ فَرَّقَه.

(١٩٤٨) قال الشافعي: وأخبرني الثقةُ مِنْ أهل المدينة، قال: أنْفَقَ


(١) «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ»: سنأخذهم قليلًا قليلًا ولا نباغتهم، وأصله: من «درج الغلام يدرج»: إذا مشى قليلًا أول ما يمشي، و «امتنع فلان من كذا وكذا حتى جاء فلان فاستدرجه»: إذا خدعه حتى حمله على أن درج في ذلك كما يدرج الصبي إذا دب، و «استدرجت الريح الحصا»: إذا هبت بها حتى صيرتها تدرج على وجه الأرض من غير أن ترفعه، يقال: «درجت الريح بالحصا واستدرجته»، وفيه وجه آخر: وهو أن يجعل الاستدراج من الإدراج، وهو الطي، يقال: «أدرجت الثوب إدراجًا»: يُطوَى على وجهه، فكأن الكافر إذا عصى ربه واغتبط بما هو فيه فتح الله عز وجل عليه الدنيا وزينتها، وطوى عنه خَبَرَ عاقبته وما أعد له من عقوبته، فأخلد إلى الدنيا وسكن إليها، ونسي الآخرة، وهو مسوق إلى أجله، فطوى عنه خبر انقضاء مدته، فذلك استدراجه. «الزاهر» (ص: ٣٨٧).