للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل}، قال الشافعي: ثُمّ وَكَّدَها وشَدَّدَها، فقال: {فريضة من الله} الآية [التوبة: ٦٠] (١).

(١٩٥٨) وهي سُهْمانٌ ثمانيةٌ، لا يُصْرَفُ منها سَهْمٌ ولا شيءٌ منه عن أهلِه ما كان مِنْ أهلِه أحدٌ يَسْتَحِقُّه، ولا يُخْرَجُ عن بلدٍ وفيه أهلُه، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذِ بنِ جَبَلٍ حين بَعَثَه إلى اليمنِ: «فإنْ أجابُوك فأعْلِمْهُم أنّ عليهم صدقةً، تُؤخَذُ مِنْ أغْنِيائِهم، فتُرَدُّ على فُقَرائِهم»، قال الشافعي: وتُرَدُّ حِصَّةُ مَنْ لم يُوجَدْ مِنْ أهلِ السُّهْمانِ على مَنْ وُجِدَ منهم.

(١٩٥٩) ويَجْمَعُ أهلَ السُّهْمانِ أنّهم أهلُ حاجةٍ إلى مالِهِم مِنْها، وأسبابُ حاجتِهم مخْتَلِفَةٌ، وكذلك أسبابٌ اسْتِحْقاقِهم معانٍ مخْتَلِفَةٌ.

(١٩٦٠) فإذا اجْتَمَعُوا .. فالفقراءُ: الزَّمْنَى الضِّعافُ الذين لا حِرْفَةَ لهم، وأهلُ الحِرْفَةِ الضعيفةِ الذين لا تَقَعُ حِرْفَتُهم مَوْقِعًا مِنْ حاجتِهم، لا (٢) يَسْألُون الناسَ، وقال في الجديد: زَمِنًا كان أو غيرَ زَمِنٍ، سائلًا أو مُتَعَفِّفًا، قال الشافعي: والمساكينُ: السُّؤَّالُ، أو مَنْ لا يَسْألُ ممّن له حِرْفَةٌ تَقَعُ (٣) منه مَوْقِعًا ولا تُغْنِيه ولا عِيالَه، وقال في الجديد: سائلًا كان أو غيرَ سائلٍ (٤).


(١) وقد فسر الشافعي ما ورد في الآية من الأصناف الثمانية تفسيرًا مقنعًا كما قال أبو منصور في «الزاهر» (ص: ٣٩٣)، وقد اعتمده ابن فارس في «الحلية» (ص: ١٦٢) وقال: «وإنما يحكى مقال الشافعي فيما يشبه هذا المعنى؛ لأنه ليس في علم اللسان بدونِ واحدٍ ممن يُذكَرُ».
(٢) كذا في ظ ز ب، وفي س: «ولا» بالواو.
(٣) كذا في ظ ب وأصل س، وفي ز: «لا تقع»، وإليه حول في س.
(٤) ذكر أبو منصور في «الزاهر» (ص: ٣٩٣) مما قاله أهل اللغة في الفرق بين الفقير والمسكين عن الأصمعي أنه قال: «الفقير: الذي له ما يأكل، والمسكين: الذي ليس له شيء»، وأنشد للراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته … وَفْقَ العيال فلم يُتْرَكْ له سَبَدُ
فجعل له حلوبة وسماه فقيرًا، وعن يونس قال: «الفقير: الذي يكون له بعض ما يقيمه، والمسكين: الذي لا شيء له»، وقال: «قلت لأعرابي مرة: أفقير أنت؟ فقال: لا والله بل مسكين»، وعن أبي الهيثم قال: «كأن الفقير سمي فقيرًا لِزَمانَةٍ تصيبه مع حاجة شديدة تمنعه الزَّمَانَةُ عن الكسب»، قال: «ويقال: (أصابته فاقرة - أي: نازلة - فَقَرتْ فَقَارَه)، وهو خَرَزُ ظَهْره»، قال: «والزَّمَانةُ: كل داء ملازم يزمن الإنسان فيمنعه عن الكسب؛ كالعمى، والإقعاد، وشلل اليدين»، قال: «وقد يسمى الأخرس الأصم: زَمِنًا، وقد يكتسب، وهو غير سوِيٍّ، قال الله عز وجل: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠]، قالوا: من غير خرس، والأخرس: ليس بسوي»، قال أبو منصور: «وقد تعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفقر ودعا، فقال: «اللهم أحيني مسكينًا، وأَمِتْني مِسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين»، وقد يكون المسكين في هذا الحديث المتواضعَ المخبِتَ؛ لأن المسكنة مَفْعَلة من السكون، يقال: (تمسكن الرجل لربه): إذا تواضع وخشع، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من الفقر المرِبِّ، وهو الفقر اللازم الذي لا يفارقه، من (أرَبَّ بالمكان: إذا أقام به)، وفي القرآن ما يدل على أن المسكين قد يكون له الشيء اليسير، قال الله عز وجل: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩]، سماهم الله مساكين ولهم سفينه لها قيمة، وأنشد أحمد بن يحيى، قال: أنشدني ابن الأعرابي:
هل لك في أجر عظيم تؤجرُهْ؟
تُغيثُ مسكينًا قليلًا عَسْكرُهْ
عشرُ شياهٍ سمعه وبَصَرُهْ
قد حدث النفس بمصرٍ يَحضُرُهْ
يَخافُ أن يَلْقاه نَسْرٌ يَنْسَرُهْ
(ينسره): يضربه بمَنْسَرِهِ، قال ابن الأعرابي: (عسكره): جماعة ماله، فسمى نفسه مسكينًا وله بُلْغة، وهي الشياه العشرة».
قال أبو منصور: «فهذه جملة ما قاله أهل اللغة في الفرق بينهما، والذي عندي فيهما: أن الفقير والمسكين تجمعهما الحاجة، وإن كان لهما ما يتقوتانه؛ إما لكثرة عيال، أو قلة ما بأيديهما، والفقير أشدهما حالًا؛ لأنه مأخوذ من الفقر، وهو كسر الفَقارِ، وهو فَعِيل بمعنى مفعول؛ فكأن الفقير لا ينفك من زَمَانةٍ أقعدته عن التصرف مع حاجته، وبها سمى فقيرًا؛ لأن غاية الحاجة ألا يكون له مال ولا يكون سويَّ الجوارح مكتسبًا، والعرب تقول للداهية الشديدة: (فاقرة)، وجمعها: (فواقر)، وهي التي تَكسِر الفَقار، قال الله عز وجل: {تظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة: ٢٥]».
والفرق بين الفقير والمسكين من المسائل التي أخذت على الشافعي في اللغة، فانظر كتاب «الرد على الانتقاد» للبيهقي (ص: ٦٨)، وانظر: «الحلية» (ص: ١٦٢).