للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غارِمِين، وهم أهْلُ الشِّعْبِ (١)، وهم صَلِيبَةُ بني هاشمٍ وبني المطَّلِبِ، ولا تَحْرُمُ عليهم صدقةُ التَّطَوُّع، ورَوَى عن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبيه أنّه كان يَشْرَبُ مِنْ سِقاياتٍ بين مكة والمدينة، فقلتُ له: أتَشْرَبُ مِنْ الصدقةِ؟ فقال: «إنّما حُرِّمَتْ علينا الصدقةُ المفروضةُ»، وقَبِلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الهديةَ مِنْ صدقةٍ تُصُدِّقَ بها على بَريرةَ، وذلك أنّها مِنْ بَريرةَ تَطَوُّعٌ لا صدقةٌ (٢).

(١٩٩٢) وإذا كان فيهم غارمون لا أموالَ لهم، فقالوا: أعْطِنا بالغُرْمِ والفَقْرِ .. قيل: لا، إنّما نُعْطِيكُم بأيّ المعنيَيْن شِئتُم، فإذا أعْطَيْناه باسْمِ الفَقْرِ فلِغُرَمائه أن يَأخُذُوا ممّا في يدَيْه حُقُوقَهم، وإذا أعْطَيْناه بمَعْنَى الغُرْمِ أحْبَبْتُ أن يَتَوَلّى دَفْعَه عنه، وإلّا فجائزٌ؛ كما يُعْطَى المكاتَبُ، فإن قيل: ولم لا يُعْطَى بمَعْنَيَيْن؟ .. قيل: الفقيرُ مِسْكينٌ، والمسكينُ فقيرٌ، يجْمَعُهُما اسمٌ، ويَتَفَرَّقُ بهما اسمٌ، فلا يجُوزُ أن يُعْطَى إلّا بأحَدِ المعنيَيْن، ولو جاز ذلك جاز أن يُعْطَى رجلٌ بفَقْرٍ وغُرْمٍ وبأنّه ابنُ سبيلٍ وغازٍ ومُؤلَّفٌ، فيُعْطَى بهذه المعاني كُلِّها، فالفقيرُ هو المسكينُ، ومعناه: أن لا يَكُونَ غَنِيًّا بحِرْفَةٍ ولا مالٍ، فإذا جُمِعا مَعًا فقُسِمَ لصِنْفَيْن بهما .. لم يَجُزْ إلّا أن يُفَرَّقَ بين حالَيْهِما بأن يَكُونَ الفقيرُ الذي بُدِئَ به أشَدَّهما فَقْرًا، وكذلك هو في اللسانِ (٣).


(١) قال أبو منصور في «الزاهر» (ص: ٤٠٣): «أراد بأهل الشِّعب: الذين ينزلون شِعْب مكة، وهم قريش البطاح، والذين ينزلون في غير شعب مكة يقال لهم: قريش الظاهرة، والظاهرة: البادية، وأهل الشعب: هم حاضرة لا يبرحون الشِّعب».
(٢) قد يوهم استدلاله الأخير أن صدقة التطوع مباحة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو قول عن الشافعي، لكن الأظهر حرمتها عليه تشريفًا له، وأما ذوو القربى .. فالمشهور أنها لا تحرم عليهم، وحُكِيَ قول آخر بالحرمة. انظر: «العزيز» (١٢/ ٦٧٥) و «الروضة» (٢/ ٣٤١) وانظر الفقرة: (١٧٤٢).
(٣) وفي المسألة قول مخرج مما ذُكِر في المؤلفة أنهم يُعطَوْن من سهم المؤلَّفة وسهم سبيل الله: أنه يجوز أن يعطى بهما؛ لأن للفقير سهمًا، وللغارم سهمًا، وهذا فقير وغارم، لكن الأظهر ما نص عليه هنا أنه لا يعطى بهما، بل بما يختار منهما؛ لأنه شخص واحد، فلا يأخذ بسهمين من مال واحد، وقد قطع به بعضهم وتأول ما ذكره في المؤلفة، وفصَّل آخرون فقالوا: إن كان السببان من جنس واحد كما لو كان فقيرًا غارمًا لغرض نفسه .. فلا يعطى بهما؛ لأن الفقير وهذا الغارم يعطيان لحاجتهما إلينا، وكذا لو كان غازيًا وغارمًا لإصلاح ذات البين؛ فإنهما يعطيان لحاجتنا إليهما، وإن اختلف السببان؛ كما لو كان غازيًا وغارمًا لغرض نفسه، أو كان غازيًا وفقيرًا .. فيعطى بهما؛ لأن استحقاق الغازي لحاجتنا إليه، واستحقاق هذا الغارم والفقير لحاجته إلينا. انظر: «العزيز» (١٢/ ٦٥١) و «الروضة» (٢/ ٣٢٨).