للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْ الإماءِ إلّا مُسْلِمَةٌ، ولا تَحِلُّ حتّى يَجْتَمِعَ الشَّرْطان: لا يَجِدُ طَوْلًا لحُرَّةٍ، ويَخافُ العَنَتَ إن لم يَنْكِحْها، و «العَنَتُ»: الزنا (١)، واحْتَجَّ بأنّ جابرَ بنَ عبدِالله قال: «مَنْ وَجَدَ صَداقَ امْرَأةٍ فلا يَتَزَوَّجْ أمَةً»، وقال طاوسٌ: «لا يَحِلُّ نِكاحُ الحُرِّ الأمَةَ وهو يَجِدُ صَداقًا لحُرَّةٍ»، وقال عَمْرُو بنُ دينارٍ: «لا يَحِلُّ نِكاحُ الإماءِ اليَوْمَ؛ لأنّه يَجِدُ طَوْلًا إلى حُرَّةٍ».

(٢٠٨٥) قال الشافعي: فإنْ عَقَدَ نِكاحَ حُرَّةٍ وأمَةٍ مَعًا .. قِيلَ: يَثْبُتُ نِكاحُ الحُرَّةِ ويَنْفَسِخُ نِكاحُ الأمَةِ، وقيل: يَنْفَسِخان مَعًا.

وقال في القديم: «نِكاحُ الحُرَّةِ جائزٌ، وكذلك إنْ تَزَوَّجَ معها أخْتَه مِنْ الرَّضاعَة؛ كأنّها لم تَكُنْ»، قال المزني: قلت أنا (٢): هذا أقْيَسُ وأصَحُّ في أصْلِ قَوْلِه؛ لأنّ النِّكاحَ يَقُومُ بنَفْسِه، فلا يَفْسُدُ بغَيْرِه، فهي في معنى مَنْ تَزَوَّجَها وقِسْطًا مَعَها مِنْ خَمْرٍ بدِينارٍ، فالنكاحُ وَحْدَهُ ثابتٌ، والقِسْطُ الخمرُ والمهرُ فاسدان (٣).


(١) «العنت» في اللغة: المشقة الشديدة، يقال: «أَكَمة عَنُوت»: إذا كانت شاقة، وقال المبرد: «العنت ههنا: الهلاك، المعنى: ذلك لمن خشي أن تحمله الشهوة على مواقعة الزنا فيهلك في ذلك بالحد في الدنيا، والإثم العظيم في الآخرة»، وقيل: «معناه أن يعشق الأمة، وليس في الآية ذكر العشق، ولكنَّ ذا العشق يلقى عَنَتًا»، وقال الفراء: «هو الفجور ههنا»، قال الأزهري: «والآية نزلت فيمن لم يستطع طَوْلًا، وهذا يدل على أن من لم يخش العنت لم يحل له أن ينكح الأمة، وإذا شق على الرجل العُزْبة، وغلبته الشهوة، ولم يجد ما يتزوج به حرة، فله أن ينكح أمة؛ لأن غلبة الشهوة واجتماع الماء في الصلب ربما أديا إلى العلة الصعبة التي تكون سببًا للموت، والله أعلم». «الزاهر» (ص: ٤١٧).
(٢) «قلت أنا» من ب.
(٣) ما رجحه المزني من المذهب القديم والقول الموافق له من الجديد هو الأظهر عند الشافعية، وقال إمام الحرمين في «النهاية» (١٢/ ٢٦٦): «والوجه عندي: القطع بما قطع به في القديم، ويتجه حمل قول الشافعي: (وقيل) على حكاية مذهب الغير؛ إذ لا يليق بمسلكه في الجديد ترديد القول في صحة النكاح في الحرة مع قيامه بنفسه». وانظر: «العزيز» (١٣/ ٤٠١) و «الروضة» (٧/ ١٣٣).