للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأقْراءُ: الأطْهارُ»، وقالَتْ: «إذا طَعَنَت المطلَّقَةُ في الدَّمِ من الحيْضَةِ الثّالِثَةِ فقد بَرِئَتْ منه»، قال: والنِّساءُ بهذا أعلمُ، وقال زيدُ بنُ ثابتٍ وابنُ عمر: «إذا دَخَلَتْ في الدَّمِ مِنْ الحيْضَةِ الثالثةِ فقد بَرِئَتْ وبَرِئَ منها، ولا تَرِثُه ولا يَرِثُها»، قال الشافعي: فالأقْراءُ الأطْهارُ والله أعلم، ولا يُمْكِنُ يُطَلِّقُها (١) طاهرًا إلّا وقد مَضَى بَعْضُ الطُّهْرِ، وقد قال الله عز وجل: {الحج أشهر معلومات} [البقرة: ١٩٧]، فكان شوّالٌ وذو القعدة كامِلَيْن وبعضُ ذي الحجة، كذلك الأقراءُ طُهران كاملان وبعضُ طُهْرٍ (٢).


(١) كذا في ظ ب، وفي ز س: «أن يطلقها».
(٢) «القرء»: اسم يقع على الحيض والطهر، هذا ما تقوله العرب، وليس الاختلاف الواقع بين الفقهاء على اطراح أحد القولين، فكلهم مجمعون على أن القرء اسم يقع على الحيض كما يقع على الطهر، ولكنَّ كلًّا اختار قولًا واحتج له من جهة المعنى، فمن جعل «القروء» من قولك: «قرأت الناقة»؛ أي: حملت؛ كما قال عمرو بن كلثوم: «هجان اللون لم تقرأ جنينًا» .. فقد جعل القرء طهرًا، وكذلك المرأة إذا طهرت حملت الدم الذي يرخيه الرحم فجمعته، ومن جعل «الأقراء» حِيَضًا ذهب بها إلى الوقت، يقال: «هبت الريح لقرئها وقارئها»؛ أي: لوقت مهبها، فجعل القرء حيضًا لأنه يجيء لوقته، واحتج بالحديث المرويِّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دعي الصلاة أيام أقرائك»؛ أي: أيام حيضك، وجعل الشافعي -رحمه الله- القروء الأطهار، واحتج فيه بما ذكر هنا، وقد أدخل على الشافعي، فقال: إنما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمر أن يطلق امرأته في طهرها؛ لأن المرأة لا تستوعب الحيضة الأولى من حيضها حتى يتقدمها طهر، وأمر الله عز وجل بثلاثة قروء، ولفظ «الثلاثة» يوجب استيعاب القروء بكاملها، ومن جعل ذلك الطهر قرءًا فقد خالف الكتاب وما توجبه اللغة من استيعاب القروء الثلاثة؛ لأن المعتدة على قوله تعتد بقرأين كاملين وبعض قرء، قال ابن داود: ولا يشبه قوله: «ثلاثة قروء» قوله: «أشهر معلومات» لأن لفظ العدد يقتضي الكمال، ولو قال: «ثلاثة أشهر» كانت كوامل، أجاب أبو منصور: «إن أهل النحو والعربية من الكوفيين والبصرين أجمعوا أن الأوقات خاصة وإن حصرت بالعدد جائز فيها ذهاب البعض، وذلك كقولك: (له اليوم ثلاثة أيام مذ لم أره) وإنما هو يومان وبعض الثالث، وكذلك تقول: (له اليوم يومان مذ لم أره) وإنما هو يوم وبعض يوم، وهذا غير جائز في غير المواقيت»، قال: «وقول الشافعي بحمد الله صحيح من جهة اللغة وجهة الكتاب والسنة»، قال: «والذي عندي من حقيقة اللغة أن القرء هو الجمع، وأن قولهم: (قريت الماء في الحوض) وإن كان قد ألزم الياء فهو بمعنى: جمعت، والقرء: اجتماع الدم في البدن، وإنما يكون ذلك في الطهر، وقد يجوز أن يكون اجتماعه في الرحم، وكلاهما حسن ليس بخارج عن مذاهب الفقهاء، فإن كانت الأقراء تكون طهرًا كما قال أهل الحجاز، فإن الكتاب والسنة يدلان على أنه أريد بها الأطهار؛ لأن الله عز وجل قال: (فطلقوهن لعدتهن)، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمر أن يطلق امرأته حين تطهر حتى يكون مطلقًا للعدة كما أمر الله عز وجل»، قال: «ولو لم يكن فيه إلا ما قالت عائشة -رضي الله عنهما-: (أتدرون ما الأقراء؟ إنما هي الأطهار) لكان في قولها كفاية؛ لأن الأقراء من أمر النساء، وكانت -رضي الله عنهما- من العربية والفقه بحيث برزت على أكثر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حفظًا وعلمًا وبيانًا وفَهْمًا، أنار الله برهانها ولقاها وأباها رضوانه ومغفرته». «الزاهر» (ص: ٤٥٥) و «الحلية» (ص: ١٨٣)، وانظر «الرد على الانتقاد» (ص: ٧٤).
فائدة: اشتهر أن الشافعي كان يقول بأن القرء الحيض، وكان أبو عبيد يعتقد أن القرء هو الطهر الذي يحتوشه حيضان، فالتقيا رضي الله عنهما وتناظرا، فكان الشافعي يورد عليه من قضايا الأحكام ما يدل على أن الاعتبار بالحيض في العِدة، وأبو عبيد يورد من قضايا اللسان ما يدل على أن القرء الطهر، فافترقا، وقد أخذ الشافعيُّ مذهبَ أبي عبيد، وأبو عبيد مذهبَ الشافعي، ومقتضى هذه الحكاية أن يكون للشافعي قول آخر قديم أن القرء الحيض، لكن الروياني قال في «البحر» (١١/ ٢٥٤): «لم يوجد في كتب الشافعي أن الأقراء الحيض، ولا في كتب أبي عبيد أن الأقراء الأطهار»، وقال إمام الحرمين في «النهاية» (١٥/ ١٤٤): «هذه حكاية لا تعويل عليها؛ فإن الشافعي كان بحرَ اللغة، وأبو عبيد مِنْ نَقَلَتها، وإنما كان ينقل الأئمةُ اللغة من الشافعي ومَنْ في درجته في اللسان، فلا يُعرف للشافعي مذهبٌ في القرء سوى ما يعرفه أصحابه الآن، ولو كان ذلك مذهبًا له، لنُقِل نقلَ الأقوال القديمة».