لأنّ إجْلاسَه لو كان واجِبًا لم يُجْعَلْ له أن يُرَوِّغَ له لُقْمَةً دون أن يُجْلِسَه معه، أو يَكُونَ بالخيارِ بين أن يُناوِلَه أو يُجْلِسَه، وقد يَكُونُ أمْرَ اخْتِيارٍ غَيْرَ الحَتْمِ، وهذا يَدُلُّ على ما وَصَفْنا مِنْ بَيانِ طَعامِ الممْلُوكِ وطَعَامِ سَيِّدِه، والممْلُوكُ الذي يَلِي طَعامَ الرَّجُلِ مخالِفٌ عِنْدِي الممْلُوكَ الذي لا يَلِي طَعامَه، فيَنْبَغِي أن يُناوِلَه ممّا يَقْرُبُ إليه ولو لُقْمَةً، فإنّ المعْرُوفَ أن لا يَكُونَ يَرَى طَعامًا قد وَلِيَ العَمَلَ فيه ثُمّ لا يَنالُ منه شَيْئًا يَرُدُّ به شَهْوَتَه، وأقَلُّ ما يَرُدُّ به شَهْوَتَه لُقْمَةٌ، وغَيْرُه مِنْ الممالِيكِ لم يَلِهِ ولم يَرَه، والسُّنَّةُ خَصَّتْ هذا مِنْ المماليكِ دُون غَيْرِه، وفي القرآنِ ما يَدُلُّ على ما يُوافِقُ بَعْضَ معنى هذا، قال الله عز وجل:{وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه}[النساء: ٨]، ولم يَقُلْ: يَرْزُقُ مِثْلَهُم ممَّن لم يَحْضُرْ، وقيل ذلك في المواريثِ وغيرِها مِنْ الغنائمِ، وهذا أوْسَعُ وأحَبُّ إليَّ، ويُعْطَوْن ما طابَتْ به نَفْسُ المعْطِي بلا تَوْقِيتٍ، ولا يُحْرَمُون (١).
(٢٨٢٢) ومَعْنَى «لا يُكَلَّفُ مِنْ العَمَلِ إلّا ما يُطِيقُ» يَعْنِي والله أعلم: إلّا ما يُطِيقُ الدَّوامَ عليه، لا ما يُطِيقُ يَوْمًا أو يَوْمَيْن أو ثلاثةً ونحوَ ذلك ثُمّ يَعْجِزُ، وجملةُ ذلك: ما لا يَضُرُّ ببَدَنِه الضَّرَرَ البَيِّنَ.
(٢٨٢٣) فإنْ عَمِيَ أو زَمِنَ .. أنْفَقَ عليه مَوْلاه.
(٢٨٢٤) ولَيْسَ له أن يَسْتَرْضِعَ الأمَةَ غَيْرَ وَلَدِها فيَمْنَعَ منها وَلَدَها، إلّا أن يَكُونَ فيها فَضْلٌ عن رِيِّه، أو يَكُونَ وَلَدُها يَغْتَذِي بالطّعامِ فيُقِيمُ بَدَنَه، فلا بأسَ به.
(١) ذكر الشافعي في شرح الحديث ثلاثة احتمالات تنقل عنه على أنها أقوال: أولها - أنه يجب الترويغ والمناولة، فإن أجلسه معه فهو أفضل، والثاني - يجب أحدهما لا بعينه، وأظهرها - لا يجب واحد منهما، والأمر بهما على الاستحباب ندبًا إلى التواضع ومكارم الأخلاق. انظر: «العزيز» (١٧/ ١٤٣) و «الروضة» (٩/ ١١٧).