للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أطَعْنا رسولَ اللهِ ما كان بَيْنَنا … فيا عَجَبًا ما بالُ مُلْكِ أبي بَكْرِ؟

فإنّ الذي سَألُوكُمْ فمَنَعْتُمُ … لكالتَّمْرِ أو أحْلَى إليهم مِنْ التَّمْرِ

سَنَمْنَعُهُم ما كان فينا بَقِيَّةٌ … كِرامٌ على العَزَّاءِ في ساعَةِ العُسْر (١)

وقالُوا لأبي بَكْرٍ بعد الإِسارِ: «ما كَفَرْنا بعد إيمانِنا، ولكِنّا شَحَحْنا على أمْوالِنا»، فسار إليهم أبو بَكْرٍ بنَفْسِه حتّى لَقِيَ أخا بني بَدْرٍ الفَزارِيّ (٢) فقاتَلَه مَعَه عُمَرُ وعامَّةُ أصْحابِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ثُمّ أمْضَى أبو بَكْرٍ خالِدًا في قِتالِ مَنْ ارْتَدَّ ومَنَعَ الزَّكاةَ فقاتَلَهُم بعَوامٍّ مِنْ أصْحابِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال الشافعي: ففي هذا دَلالَةٌ على أنّ مَنْ مَنَعَ ما فَرَضَ اللهُ علَيْه فلم يَقْدِر الإمامُ على أخْذِه بامْتِناعِه قاتَلَه، وإنْ أتَى القَتْلُ على نَفْسِه، وفي هذا المعْنَى كُلُّ حَقٍّ لرَجُلٍ على رَجُلٍ فمَنَعَه بجَماعَةٍ، وقال: «لا أُؤَدِّي ولا أبْدَؤُكُمْ بقِتالٍ» قُوتِلَ، وكذا قال مَنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ ممَّن يُنْسَبُ إلى الرِّدَّةِ، فإذا لم يَخْتَلِفْ أصْحابُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في قِتالِهِم بمَنْعِ الزَّكاةِ .. فالباغِي الذي يُقاتِلُ الإمامَ العادِلَ في مِثْلِ مَعْناهُم في أنّه لا يُعْطِي الإمامَ العادِلَ حَقًّا يَجِبُ عليه، ويَمْتَنِعُ مِنْ حُكْمِه، ويَزِيدُ على مانِعِ الصَّدَقَةِ أن يُرِيدَ أن يَحْكُمَ هو على الإمامِ العادِلِ.

(٣١٧٢) قال: ولو أنّ نَفَرًا يَسِيرًا قَلِيلِي العَدَدِ يُعْرَفُ أنّ مِثْلَهُم لا يَمْتَنِعُ إذا أرِيدُوا، فأظْهَرُوا رَأيَهُم ونابَذُوا الإمامَ العادِلَ (٣) وقالُوا: نَمْتَنِعُ مِنْ


(١) «ما كان فينا بقية»؛ أي: قوة، ويجوز أن يكو أراد ما بقي لهم جماعة يمنع مثلها العدو، و «كرام على العَزّاء»: شدة الزمان والمحل، و «استعز بالرجل»: إذا ثقل عند الموت. «الزاهر» (ص: ٤٩٣).
(٢) كذا في ظ ز س، وفي ب: «حتى لقي أخا يريد الفزاري»، وفي ز: «أخا بني بدر والفزاري» بالواو، والمقصود به: عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري.
(٣) «نابذوا الإمام العادل»؛ أي: خالفوه وشاقوه وانتبذوا ناحية عنه، يقال: «جلست نبذة»؛ أي: ناحية. «الزاهر» (ص: ٤٩٣).