للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحُكْمِ، فأصابُوا دِماءً وأمْوالًا وحُدُودًا في هذه الحالِ مُتأوِّلِينَ، ثُمّ ظَهَرَ عليهم .. أقِيمَتْ عليهم الحدُودُ وأخِذَتْ منهم الحقُوقُ كما تُؤخَذُ مِنْ غير المتأوِّلِينَ.

(٣١٧٣) وإذا كانَتْ لأهْلِ البَغْيِ جماعَةٌ تكْثُرُ، ويَمْتَنِعُ مِثْلُها بمَوْضِعِها الذي هي به بَعْضَ الامْتِناعِ، حتّى يُعْرَفَ أنّ مِثْلَها لا يُنالُ حتّى تكْثُرَ نِكايَتُه، واعْتَقَدَتْ ونَصَبَتْ إمامًا، وأظْهَرَتْ حُكْمًا، وامْتَنَعَتْ مِنْ حُكْمِ الإمامِ العادِلِ .. فهذه الفِئَةُ الباغِيَةُ التي تُفارِقُ حُكْمَ مَنْ ذَكَرْنا قَبْلَها، فيَنْبَغِي إذا فَعَلُوا مِثْلَ هذا أن يُسْألُوا ما نَقَمُوا، فإنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةً رُدَّتْ (١)، وإن لم يَذْكُرُوها بَيِّنَةً قيل (٢): عُودُوا لِما فارَقْتُمْ مِنْ طاعَةِ الإمامِ العادِلِ، وأنْ تكُونَ كَلِمَتُكُمْ وكَلِمَةُ أهْلِ دِينِ اللهِ على المشْرِكِينَ واحِدَةً، وأن لا تَمْتَنِعُوا مِنْ الحكْمِ، فإن فَعَلُوا قُبِلَ منهم (٣)، وإن امْتَنَعُوا قيل: إنّا مُوذِنُكُمْ (٤) بحَرْبٍ، فإن لم يُجِيبُوا قُوتِلُوا، ولا يُقاتَلُوا حتّى يُدْعَوْا ويُناظَرُوا، إلّا أن يَمْتَنِعُوا مِنْ المناظَرَةِ، فيُقاتَلُوا حتّى يَفِيئُوا إلى أمْرِ الله عز وجل.

قال الشافعي: والفَيْئَةُ الرُّجُوعُ عن القِتالِ بالهزِيمَةِ أو التَّرْكِ للقِتالِ، فأيُّ حالٍ تَرَكُوا فيها القِتالَ فقد فاؤوا وحَرُمَ قِتالُهم؛ لأنّه أمِرَ أن يُقاتِلَ، وإنَّما يُقاتَلُ مَنْ يُقاتِلُ، فإذا لم يُقاتَلْ حَرُمَ بالإسْلام أن يُقاتِلَ، فأمّا مَنْ لا يُقاتِلُ فإنّما يُقالُ: «اقْتُلُوه»، لا «قاتِلُوه»، نادَى مُنادِي عليٍّ رحمة الله عليه يَوْمَ الجَمَلِ: «ألا لا يُتَّبَعُ مُدْبِرٌ، ولا يُذَفَّفُ على جَرِيحٍ» (٥)، وأُتِيَ عليٌّ


(١) «ما نقموا»؛ أي: ما عتبوا وما سخطوا وما كرهوا، ومعناه: المبالغة في الكراهة، والمَظْلَمة والظُّلَامة والظُّلْم واحد. «الزاهر» (ص: ٤٩٤).
(٢) كذا في ظ ز ب، وسقط من ظ كلمة «قيل»، وفي س: «وإن لم يبينوها قيل».
(٣) كذا في ز ب س، وفي ظ: «قبل لهم».
(٤) كذا في ظ ز، وفي ب س: «موذنوكم».
(٥) «لا يذفف على جريح»؛ أي: لا يجهز على جريح ولا يتمم بالقتل، يقال: «ذففت على الجريح»: إذا عجلت قتله، وكذلك «أجهزت عليه»، و «رجل خفيف ذفيف»؛ أي: سريع، وكذلك «فرس جهيز»؛ أي: سريع العدو، كل ذلك من الإسراع والتعجيل. «الزاهر» (ص: ٤٩٤).