للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حتّى تُعْطِيَني كذا وكذا، فأعْطاها إيّاه»، قال الشافعي: ففي هذا الحديثِ دَلالَةٌ إذْ أعْطَى جَرِيرًا عِوَضًا مِنْ سَهْمِه والمرْأةَ عِوَضًا مِنْ سَهْمِ أبِيها على أنّه اسْتَطَابَ أنْفُسَ الذين أوْجَفُوا عليه، فتَرَكُوا حُقُوقَهم منه، فجَعَلُوه وَقْفًا للمسلمين، وقد سَبَى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هَوازِنَ، وقَسَمَ الأرْبَعَةَ الأخْماسَ بين الموجِفِين، ثُمّ جاءَتْه وُفُودُ هَوازِنَ المسْلِمِين (١)، فسَألُوه أن يَمُنّ بأن يَرُدَّ عليهم ما أخَذُوا منهم، فخَيَّرَهُم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الأمْوالِ والسَّبْيِ، فقالوا: خَيَّرْتَنا بَيْنَ أحْسابِنا وأمْوالِنا (٢)، فنَخْتارُ أحْسابَنا، فتَرَكَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَقَّه وحَقَّ أهْلِ بَيْتِه، فسَمِعَ بذلك المهاجرون فتَرَكُوا له حُقُوقَهُم (٣)، وسَمِعَ بذلك الأنصارُ فتَرَكُوا له حُقُوقَهُم، ثُمّ بَقِيَ قَوْمٌ مِنْ المهاجرين الآخَرِين، فأمَرَ فعَرَّفَ على كُلِّ عَشَرَةٍ واحِدًا، ثُمّ قال: ائتُونِي بطِيبِ أنْفُسِ مَنْ بَقِيَ، فمَن كَرِهَ فله عليَّ كذا وكذا مِنْ الإبِلِ إلى وَقْتٍ ذَكَرَه، فجاؤوه بطِيبِ أنْفُسِهِم إلّا الأقْرَعَ بنَ حابِسٍ وعُيَيْنَةَ بنَ بدرٍ؛ فإنّهما أبَيَا ليُعَيِّرا هَوازنَ، فلم يُكْرِهْهُما رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، حتّى كانا هُما اللَّذَان تَرَكَا بأنْ خُدِعَ عُيَيْنَةُ عن


(١) كذا في ظ على أنه نعت لهوازن، وفي س: «مسلمين» على أنه حال، وفي ز ب: «المسلمون» على أنه نعت للوفود.
(٢) «الأحساب»: جمع حَسَبٍ، وهو مأثرة الرجل وما يعد من مكارمه، سمي ذلك: حسبًا؛ لأن المُفاخِرَ منهم إذا ذكر مَفاخِرَه عدها، فالحسب بمنزلة المحسوب كالعدد بمنزلة المعدود، وكان في السبي أطفال أولادهم وحرمهم، ولو اختاروا أموالهم عليهم لعُيِّروا بذلك، فعدوا استنقاذهم من الإسار مفخرًا لهم ومأثرة تحسب لهم، ولذلك قالوا: «نختار أحسابنا على أموالنا، وقال ابن السِّكِّيت: «الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف، و (رجل حسيب كريم) بنفسه، والمجد والشرف لا يكونان إلا بالآباء، يقال: (رجل شريف، ورجل ماجد) له آباء متقدمون في الشرف». «الزاهر» (ص: ٥١٧).
(٣) كذا في ز ب س، إلا أن فيه: «فسمعوا بذلك … » على لغة «أكلوني البراغيث»، والكناية في «له» عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي ظ: «فسمع المهاجرون فتركوا لهم حقوقهم».