حَقِّه، وسَلَّم لهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ طاب نَفْسًا عن حَقِّه، وهذا أوْلَى الأمْرَيْن عندنا بعُمَرَ في السَّوادِ وفُتُوحِه؛ إنْ كانَتْ عَنْوَةً لا يَنْبَغِي أن تَكُونَ قُسِمَتْ إلّا عن أمْرِ عُمَرَ؛ لكِبَرِ قَدْرِه، ولو تُفُوِّتَ عليه فيه ما انْبَغَى أن يَغِيبَ عنه قَسْمُه في ثلاثِ سِنِينَ، ولو كان القَسْمُ ليس لمن قُسِمَ لهم ما كان له منه عِوَضٌ، ولكان عليهم أن يَرُدُّوا الغَلَّةَ، والله أعْلَمُ كيف كان، وهكذا صَنَعَ رسولُ الله في خَيْبَرَ وبني قُرَيْظَةَ لمن أوْجَفَ عليها أرْبَعَةُ أخْماسٍ، والخُمُسُ لأهْلِه، فمَن طابَ نَفْسًا عن حَقِّه .. فجائزٌ للإمامِ نَظَرًا للمُسْلِمِين أن يَجْعَلَها وَقْفًا عليهم، تُقْسَمُ غَلَّتُه فيهم على أهْلِ الفَيْءِ والصَّدَقةِ وحَيْثُ يَرَى الإمامُ، ومَن لم يَطِبْ نَفْسًا فهو أحَقُّ بمالِه.
(٣٣٧٢) قال: وأيُّ أرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا على أنّ أرْضَها لأهْلِها ويُؤدُّون فيها خَراجًا .. فلَيْسَ لأحَدٍ أخْذُها مِنْ أيْدِيهم، وما أخِذَ مِنْ خَراجِها فهو لأهْلِ الفَيْءِ دُون أهْلِ الصَّدقاتِ؛ لأنّه فَيْءٌ مِنْ مالِ مُشْرِكٍ، وإنّما فَرْقُ بينِ هذه المسألةِ والمسألةِ قَبْلَها: أنّ ذلك وإنْ كان مِنْ مُشْرِكٍ فقد مَلَكَ المسْلِمُون رَقَبَةَ الأرْضِ، فلَيْسَ بحَرامٍ أن يَأخُذَ منه صاحِبُ صَدَقَةٍ ولا صاحِبُ فَيْءٍ ولا غَنِيٌّ ولا فَقِيرٌ؛ لأنّه كالصَّدَقَةِ الموْقُوفَةِ يَأخُذُها مَنْ وُقِفَتْ عليه.
(٣٣٧٣) ولا بَأسَ أن يَكْتَرِيَ المسْلِمُ مِنْ أرْضِ الصُّلْحِ كما يَكْتَرِي دَوابَّهم، والحديثُ الذي جاء عن رسولِ الله:«لا يَنْبَغِي لمسْلِمٍ أن يُؤدِّيَ الخَرَاجَ، ولا لمشْرِكٍ أن يَدْخُلَ المسْجِدَ الحرامَ» .. إنّما هو خَراجُ الجِزْيَةِ، وهذا كِراءٌ.