للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأنّ القَتْلَ للمُسْلِمِين شَهادَةٌ، وأنّ الإسْلامَ أعَزُّ مِنْ أن يُعْطَى مُشْرِكٌ على أن يَكُفَّ عن أهْلِه؛ لأنّ أهْلَه قاتِلِين ومَقْتُولِين ظاهِرُون على الحَقِّ، إلّا في حالٍ يَخافُون فيها الاصْطِلامَ، فيُعْطُون مِنْ أمْوالِهِم، أو يَفْتَدِي مأسُورًا فلا بَأسَ؛ لأنّ هذا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ.

(٣٤١١) وإنْ صالَحَهُم الإمامُ على ما لا يَجُوزُ .. فالطّاعَةُ نَقْضُه؛ كما صَنَعَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في النِّساءِ، وقد أعْطَى المشْرِكِين ما أعْطاهُم في الرِّجالِ ولم يَسْتَثْنِ، فجاءتْه أمُّ كُلْثُومٍ بنتُ عُقْبَةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهاجِرَةً، فجاء أخَواها يَطْلُبانها، فمَنَعَهما منها، وأخْبَرَ أنّ اللهَ مَنَعَ الصُّلْحَ في النِّساءِ (١)، وبهذا قُلْنا: لو أعْطَى الإمامُ قَوْمًا مِنْ المشْرِكِين الأمانَ على أسِيرٍ في أيْدِيهم مِنْ المسْلِمِين أو مالٍ، ثُمّ جاؤوه، لم يَحِلَّ له إلّا نَزْعُه منهم بلا عِوَضٍ.

قال المزني: هذا خِلافُ قَوْلِه في «الرسالة»: «لا يُنْسَخُ قُرآنٌ إلّا بالقُرآنِ، ولا سُنَّةٌ إلّا بالسُّنَّةِ» (٢).

قال الشافعي: فإنْ ذَهَبَ ذاهِبٌ إلى أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَدَّ أبا جَنْدَلِ بنَ سُهَيْلٍ إلى أبيه، وابنَ عَيّاش بنِ أبي رَبِيعَةَ إلى أهْلِه .. قيل له: أهْلُوهُم أشْفَقُ النّاسِ عليهم وأحْرَصُهم على سَلامَتِهم، ولعَلَّهُم يَقُونَهُم بأنْفُسِهم ممّا يُؤذِيهم، فَضْلًا عن أن يَكُونُوا مُتَّهَمِين على أن يَنالُوهُم بتَلَفٍ أو عَذابٍ، وإنّما نَقَمُوا منهم دِينَهم (٣)، وقد وَضَعَ اللهُ المأثَمَ في إكْراهِهِم، أوَلَا تَرَى أنّ النِّساءَ إذا أرِيدَ بهنّ الفِتْنَةُ ضَعُفْنَ أو لم يَفْهَمْنَ فَهْمَ الرِّجالِ أنّ التَّقِيَّةَ تَسَعُهُنّ، وكان فيهن أن يُصِيبَهُنَّ أزْواجٌ حَرامٌ عليهنّ.


(١) زاد في هامش س مصححًا: «وحكم فيهن غير حكمه في الرجال».
(٢) انظر: «الرسالة» للشافعي (ص: ١٠٩ - ١١٠)، وانظر: «تشنيف المسامع» للزركشي (٢/ ٧٤١).
(٣) زاد في هامش س مصححًا: «فكانوا يشددون عليهم بترك دينهم كرهًا».