للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(٣٦٩٠) قال الشافعي: وأحِبُّ أن يَقْضِيَ القاضِي في مَوْضِعٍ بارِزٍ للنّاسِ، لا يَكُونُ دُونَه حِجابٌ، وأن يَكُونَ في غَيْرِ مَسْجِدٍ؛ لكَثْرَةِ الغاشِيَةِ والمُشَاتَمَةِ بين الخُصُومِ، في أرْفَقِ الأماكِنِ به وأحْراها أن لا تُسْرِعَ مَلالَتُه فيه، وأنا لإقامَةِ الحَدِّ في المسْجِدِ أكْرَهُ (١).

(٣٦٩١) قال الشافعي: ومَعْقُولٌ في قَوْلِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَحْكُمُ الحاكِمُ - أو: لا يَقْضِي القاضِي - بين اثْنَيْن وهو غَضْبانُ»: أنّه أرادَ أن يَكُونَ القاضِي حين يَحْكُمُ في حالٍ لا يَتَغَيَّرُ فيها خُلُقُه ولا عَقْلُه، والحاكِمُ أعْلَمُ بنَفْسِه، فأيُّ حالٍ أتَتْ عليه تَغَيَّرَ فيها عَقْلُه أو خُلُقُه انْبَغَى له أن لا يَقْضِيَ حتّى يَذْهَبَ، وأيُّ حالٍ صارَ إليه فيها سُكونُ الطّبِيعَةِ واجْتِماعُ العَقْلِ حَكَمَ، وإنْ غَيَّرَه مَرَضٌ أو حُزْنٌ أو فَرَحٌ أو جُوعٌ أو نُعاسٌ أو مَلالَةٌ تَرَكَ.

(٣٦٩٢) وأكْرَهُ له الشِّراءَ والبَيْعَ خَوْفَ المحاباةِ بالزِّيادَةِ، ويَتَوَلّاه له غَيْرُه.

(٣٦٩٣) ولا أحِبُّ أن يَتَخَلَّفَ عن الوَلِيمَةِ، إمّا أن يُجِيبَ كُلًّا، وإمّا أن يَتْرُكَ كُلًّا، ويَعْتَذِرَ ويَسْألَهم التَّحْلِيلَ، ويَعُودَ المرْضَى، ويَشْهَدَ الجنائِزَ، ويَأتِيَ مَقْدَمَ الغائِبِ.

(٣٦٩٤) وإذا بان له مِنْ أحَدِ الخَصْمَيْنِ لَدَدٌ نَهاه (٢)، فإنْ عادَ زَبَرَه، ولا يَحْبِسُه ولا يَضْرِبُه إلّا أن يَكُونَ في ذلك ما يَسْتَوْجِبُه.


(١) يريد: أنه أشد كراهة للحد في المسجد من كراهته القضاء فيه، وكلاهما له مكروه. انظر: «النهاية» (١٨/ ٤٦٦).
(٢) «اللَّدَد»: التواء الخصم في محاكمته، وأصله: من لَدِيدَي الوادي، وهما ناحيتاه، و «فلان يتلدد يمينًا وشمالًا»، و «اللَّدُود»: الوَجُورُ في أحد شقي الفم، ومن هذا قيل للخصم الجَدِل الشديد الخصام: «ألَدُّ»؛ لأنه لا يستقيم على جهة واحدة، ويقال له: «الألْوَى»؛ لالتوائه. «الزاهر» (ص: ٥٥١).