للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(٣٦٩٥) ويُشاوِرُ، قال الله عز وجل: {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى: ٣٨]، وقال عز وجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران: ١٥٩]، قال الحسَنُ: «إنْ كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن مُشاوَرَتِهم لَغَنِيًّا، ولكنَّه أرادَ أن يَسْتَنَّ بذلك الحُكّامُ بَعْدَه».

(٣٦٩٦) ولا يُشاوِرُ إذا نَزَلَ به المشْكِلُ إلّا أمِينًا، عالِمًا بالكتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ، وأقاوِيلِ النّاسِ، والقِياسِ، ولسانِ العَرَبِ.

(٣٦٩٧) ولا يَقْبَلُ - وإن كان أعْلَمَ منه - حتّى يَعْلَمَ كعِلْمِه أنّ ذلك لازِمٌ له، مِنْ حَيْثُ لم تَخْتَلِف الرِّوايَةُ فيه أو بدَلالَةٍ عليه، وأنّه لا يَحْتَمِلُ وَجْهًا أظْهَرَ منه، فأمّا أن يُقَلِّدَه .. فلم يَجْعَل اللهُ تبارك اسمُه ذلك لأحَدٍ بعد رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

(٣٦٩٨) ويَجْمَعُ المخْتَلِفِين؛ لأنّه أشَدُّ لتَقَصِّيه العِلْمَ، ولكَشْفِ بَعْضِهم على بَعْضٍ.

(٣٦٩٩) وإن لم يَكُنْ في عَقْلِه ما إذا عَقَلَ القِياسَ عَقَلَه، وإذا سَمِعَ القِياسَ مَيَّزَه، فلا يَنْبَغِي أن يَقْضِيَ، ولا لأحَدٍ أن يَسْتَقْضِيَه.

(٣٧٠٠) ولا يَجُوزُ له أن يَسْتَحْسِنَ بغَيْرِ قِياسٍ، ولو جازَ ذلك لجازَ أن يَشْرَعَ في الدِّينِ (١).


(١) قوله: «يشرع في الدين»؛ أي: يسن فيه ما لم ينزله الله عز وجل، قال الله عز وجل: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} [الشورى: ١٣]؛ أي: شرع لكم ولمن كان قبلكم إقامة الدين وترك الفرقة والاجتماع على اتباع الرسل، والأصل في قوله: «شرع لكم من الدين»؛ أي: بين وأوضح ونهَجَ، قال الله عز وجل: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة: ٤٨]؛ أي: طريقًا واضحًا أمرنا بالاستقامة عليه، قال أبو منصور في «الزاهر» (ص: ٥٥٣): «فالشرع هو الإبانة، والله تعالى هو الشارع لعباده الدينَ، وليس لأحد أن يشرع فيه ما ليس منه، إلا أن يشرع نبي بأمر الله تعالى، فإنَّ شرع النبي هو شرع الله عز وجل؛ لأنه قال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: ٧]».
فائدة: هذا النص هو الأقرب إلى ما نَقَلَ الثقاتُ عن الشافعي من قوله: «من استحسن فقد شرع»، والظاهر: أنهم اختصروه من هذا النص، وقد أشار إلى ذلك إمام الحرمين، فقال في «النهاية» (١٨/ ٤٧٣): «صرح الشافعي بما يتضمّن إبطالَ الحكم المستند إلى الاستحسان، والقولُ فيه: أن أصحاب الاستحسان ربما يُسندون ما يَرَوْنه إلى خبر؛ كمصيرهم إلى أن الناسيَ لا يُفطر بالأكل؛ لخبر أبي هريرةَ فيه، وكلُّ مذهبٍ مستندٍ إلى خبر فهو متلقى بالقبول، وعبارة صاحب المقالة عن هذا بالاستحسان على نهاية السخافة والغثاثة؛ فإن قبول الخبر لا محيد عنه، والاستحسانُ يشعر بتردد وميلٍ خفي إلى جانب، ومعظمُ قواعد الاستحسان استصلاح جلي أو خفي لا أصل له في الشريعة، ومعنى قول صاحب المقالة (الاستحسان مقدم على القياس): أن القياس الجاري على وفق قواعد الشريعة مؤخر عن استصلاحٍ لا أصل له في الشريعة، وقد عبّر الشافعي عن غور هذا الفصل بكلمات وجيزة إذ قال: (من استحسن فقد شرع)».