(٣٨٥٠) قال الشافعي: ولو كانَتْ دارًا في يَدَيْ رَجُلٍ والمسْألَةُ على حالِها، فادَّعاها كُلُّ واحِدٍ مِنْ هذَيْن المدَّعِيَيْن أنّه وَرِثَها مِنْ أبِيهِ .. فمَن أبْطَلَ البَيِّنَةَ تَرَكَها في يَدَي صاحِبِها، ومَن رَأى الإقْراعَ أقْرَعَ، أو يَجْعَلُها بَيْنَهما معًا، ويَدْخُلُ عليه شَناعَةٌ، وأجابَ بهذا الجوابِ فيما يُمْكِنُ فيه البَيِّنَتان أن تكُونا صادِقَتَيْن في مَواضِعَ.
قال المزني: وسَمِعْتُه يَقُولُ في مثل هذا: «لو قَسَمْتُه بينهما كُنْتُ لم أقْضِ لواحِدٍ منهما بدَعْواه ولا ببَيِّنَتِه، وكُنْتُ على يَقِينِ خَطَأٍ بنَقْصِ مَنْ هو له عن كَمالِ حَقِّه، وبإعْطاءِ الآخَرِ ما ليْسَ له».
قال المزني: قد أبْطَلَ الشّافِعِيّ القُرْعَةَ في امْرَأتَيْن: مُطَلَّقَةٍ وزَوْجَةٍ، وأوْقَفَ الميراثَ حتّى تَصْطَلِحا، وأبْطَلَ في ابْنَيْ أمَتِه اللَّذَيْن أقَرَّ أنّ أحَدَهما ابْنُه القُرْعَةَ في النَّسَبِ وفي الميراثِ، فلا يُشْبِهُ قَوْلُه في مثل هذا القُرْعَةَ، وقد قَطَعَ في «الدَّعْوَى على كتابِ أبي حنيفةَ» في امْرَأةٍ أقامَتْ بَيِّنَةً أنّه أصْدَقَها هذه الدّارَ وقَبَضَتْها، وأقام رَجُلٌ البَيِّنَةَ أنّه اشْتَراها منه ونَقَدَه الثَّمَنَ وقَبَضَها، قال: أُبْطِلُ البَيِّنَتَيْن، لا يَجُوزُ إلّا هذا أو القُرْعَةُ»، قال المزني: هذا لَفْظُه، وقد بَيَّنّا أنّ القُرْعَةَ لا تُشْبِهُ قَوْلَه في الأمْوالِ، قال المزني: وقد قال: «الحكْمُ في الثَّوْبِ لا يُنْسَجُ إلّا مَرَّةً، والثَّوْبِ الخَزِّ يُنْسَجُ مَرَّتَيْن؛ سَواءٌ»(١).
(١) كلام المزني اشتمل على بيان ما هو الأولى عنده بمذهب الشافعي في تعارض البينتين، وأن الذي يقتضيه كلامه إسقاطهما؛ لتناقضهما، والعمل بما يوجبه مجرد الدعوى واليد، وهو الأظهر عند الأصحاب، والثاني: استعمال البينتين، وفي كيفيته ثلاثة أقوال: أحدها - أن العين المدعاة تقسم بينهما، والثاني - أنه يقرع بينهما، والثالث - أنه يوقف إلى أن يتبين الأمر أو يصطلحا، واختيار المزني لنفسه: استعمال البينتين وقسم الملك بينهما نصفين؛ لتكافئهما، وأن لا بيان يرجع إليه بعدهما فيما أمكن من صدقهما أو قطع فيه بتكاذبهما، واستشهد بأن الشافعي قال في المتنازعين لثوب أقام كل واحد منهما البينة أنه له نسجه في ملكه، أن سوى بين ما لا ينتج إلا مرة كالقطن والكتان الذي يقطع فيه بتكاذب البينتين، وبين ما يجوز أن ينسج مرتين كالخز والديباج الذي يمكن فيه التصادق، وهذه المسألة قاعدة مسائل باب تعارض البينتين، فلا ننبه إليها في موردها من جزئياتها. وانظر: «الحاوي» (١٧/ ٣٣٤) و «النهاية» (١٩/ ١٠٤) و «العزيز» (٢٢/ ١٣٠) و «الروضة» (١٢/ ٥١).