للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(٣٩٢٨) قال الشافعي: قال الله عز وجل: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} [النور: ٣٣] (١).

(٣٩٢٩) قال: ولا يَكُونُ الابْتِغاءُ مِنْ المجانين والأطْفالِ (٢)، ولا تَجُوزُ الكِتابَةُ إلّا على بالِغٍ عاقِلٍ.

(٣٩٣٠) قال: وأظْهَرُ مَعانِي الخَيْرِ في العَبْدِ بدَلالَةِ الكِتابِ: الاكْتِسابُ مع الأمانَةِ، فأحِبُّ أن لا يَمْتَنِعَ مِنْ مُكاتَبَتِه إذا كان هكذا.

(٣٩٣١) وما جاز بَيْنَ المسْلِمِين في البَيْعِ والإجارَةِ جاز في الكتابَةِ، وما رُدَّ فيهما رُدَّ في الكِتابَةِ.


(١) «المكاتبة»: لفظة وضعت لعتق على مال منجم إلى أوقات معلومة، يحل كل نجم لوقته المعلوم، وإنما سميت: نجومًا؛ لأن العرب في باديتها وأوليتها لم يكونوا أهل حساب، وكانوا يحفظون أوقات السنة وفصولها التي يتوزعهم فيها النجع، ويرجعون فيها إلى محاضرهم، ويرسلون فيها الفحول، وينتظرون فيها النتاج بالأنواء في طلوع نجم وسقوط رقيبه، وجميع تلك النجوم ثمانية وعشرون نجمًا، كلما طلع منها طالع سقط ساقط، وهي التي جُعلت منازل القمر، قال الله تعالى: {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} [يس: ٣٩]، فعُنِيَ العرب بمعرفة مطالعها ومساقطها ومراعاتها وتسميتها؛ لأنهم كانوا أميين لا يحسبون ولا يكتبون، ولم يحفظوا حلول الحقوق في مواقيتها إلا بهذه النجوم، فكانوا يقولون في الدية تلزم الرجل: «نَجِّمُوها عليه»؛ ليكون أرفق به، وكان اللازم للحق الضامن له يقول: «إذا طلع نجم الثريا أديت من حقك كذا وكذا، وإذا طلع بعده الدَّبَران وفيتك كذا»، وسُمِّيت الكتابة كتابة في الإسلام؛ لأن المكاتب لو جُمع عليه المال في نجم واحد لشق عليه، فكانوا يجعلون ما يكاتب عليه نجومًا شتَّى في أوقات شتَّى؛ ليتيسر عليه تحمل شيء بعد شيء، ويكون أسلم من الغرر، يقال: «أدى المكاتب نجمًا من نجوم مكاتبته فتأداه المكاتب واستأداه»؛ أي: قبضه، وأصل «الكَتْبِ»: ضم الشيء إلى الشيء، يقال: «كَتَبتُ القِرْبة»: إذا ضممتَ فمها فأَوْكَيْتَ عليه، فلما كانت الكتابة متضمنة لنجم بعد نجم سميت كتابة؛ لكَتْب النجم إلى النجم، ولذلك قال الفقهاء: «لا يجوز الكتابة على أقل من نجمين»؛ لأن أقل الجماعة اثنان، وهو أن يُجمَع شيء إلى شيء، و «الكتيبة» من الخيل سميت كتيبة؛ لتتابعها واجتماعها. انظر: «الزاهر» (ص: ٥٦١) و «الحلية» (ص: ٢٠٩).
(٢) كذا في ظ، وفي ز ب س: «من الأطفال ولا المجانين».