للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمذهب الثالث: قال المُزَني (ف: ٣٨١٦): «من قطع بشيء كان أولى به من حكايته له»، وأكثر منه في مختصَره، واختلف في حكايته عنه، فظاهر حكاية الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أن ذلك اختيار للقول المعاد (١)، وحكاية الماوردي وإمام الحرمين أن ذلك رجوع عن التردُّد وإبطال للقول المتروك.

قال الماوردي: «إن المُزَني يبني على أصل لم يخالف فيه، وهو أن الشافعي إذا نصَّ على قولين ثم عمل بأحدهما أنه يكون إبطالًا للقول الآخر، وعند غيره من أصحابنا أنه لا يكون استعماله إبطالًا للآخر، وإنما يكون ترجيحًا له على الآخر» (٢).

وقال: «وليس الأمر على ما توهم [المُزَني]؛ لأن أقاويله إذا فرقت لم يحتج إلى تكرارها في كل موضع، ولو كان ما توهّم صحيحًا لاقتضى إذا كرر أحدهما في مواضع وكرر الأخرى في مواضع أن يكون نافيًا لهما» (٣).

وقال إمام الحرمين: «مذهب المُزَني في أن الشافعي إذا قطع قولًا في موضع كان ذلك تركًا منه للقولين» (٤)، قال: «وفي هذا دقيقة لا بد من التنبُّه لها، وهي أن الشافعي إذا نصَّ على قولين فكأنه لم يذكر لنفسه مذهبًا، وإنما ردَّدَ، ولو انتهى نظره نهايته لجزم القولَ، ولا مذهب لمتردِّد، نعم إن كان ينقدح مذهب ثالث فإعراضه عنه مذهب، ثم إن قطع قوله بعد القولين فيجب القطع بأن مذهبه ما قطع به، وما كان يتردد فيه ينتهى إليه ويقف،


(١) انظر «شرح اللمع» للشيرازي (٢/ ١٠٨١).
(٢) انظر «الحاوي» للماوردي (١٧/ ٣٣٦).
(٣) انظر «الحاوي» للماوردي (١٨/ ٩ ونحوه: ٥/ ٢٠٥).
(٤) انظر «النهاية» لإمام الحرمين (١٩/ ٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>